طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

 كأس العالم.. الحل المغربي
13/12/2022

 كأس العالم.. الحل المغربي

أحمد فؤاد

"ما دخل الفقر بلدًا إلا وقال الكفرُ خُذني معك".. أبو ذر الغفاري.

كان طبيعيًا ومنطقيًا أن يتحول فوز منتخب المغرب العربي في بطولة كأس العالم 2022، والجارية حاليًا في قطر، إلى مناسبة تفجر الفرحة لدى الشعوب العربية كلها، وتجر معها أحاسيس الفخر والانتماء، وتعزز الثقة الجماعية في إمكانيات الإنسان العربي، فقط إذا ما أُحسن توظيفها وتوفر لها التخطيط والنية الصادقة، وقبل كل شيء إن تملّك من الإيمان ما يقهر كل الحواجز والخصوم.

لم تكن مصادفة أن يتحول هدف في مرمى البرتغال إلى مفجر للطاقات والمشاعر، في ظل أزمات بعد أزمات تضرب الدول العربية، وتغلف يومياتها وتصبغ أحداثها بالفقر والمرارة والعجز، وتحولت بالتالي المباراة إلى تحدٍ خاص في عيون الناس وقلوبهم، وكانت الرغبة العارمة في اقتناص فرصة نادرة للفرح الجماعي هادرة، تطغى على كل ما عداها من منطق يحكم أو واقع يخنق.

في الحقيقة فإن الدول العربية غير البترولية تقبع في أسفل سافلين بالنسبة لكل مؤشرات التنمية وجودة الحياة وتلك المتعلقة بالقدرات على الحصول على حقوق الإنسان، من مأكل وملبس وتعليم وصحة. والأسوأ أن كل التقارير الصادرة عن مؤسسات دولية، تكشف بجلاء أن الأزمة الحالية ليست ظرفًا طارئاً أو مفاجأة على الطريق، بل إنها واقع علينا تعلم التعايش معه، والتعامل في ظلاله لمدى غير منظور.

تقرير البنك الدولي عن آفاق الاقتصاد العالمي، والصادر في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر من العام الجاري، اختار واضعوه عنوان "أزمة فوق أزمة" لوصف العاصفة التي تضرب اقتصاديات أغلب دول العالم، وعقب أعوام ثلاثة من أزمة تفشي جائحة كورونا المميتة، والكساد الذي حل كظلام أبدي على فرص النمو الاقتصادي، جاءت تداعيات وضرائب الحرب الروسية في أوكرانيا كمأساة إضافية لكارثة قائمة بالفعل، وفي الوقت الذي لم تتمكن الدول العربية من التقاط أنفاسها عقب الوباء، جاء حجر الحرب ليجرها من جديد إلى الأعماق، البعيدة السحيقة.

ما أشار إليه تقرير البنك الدولي هو أن أغلب الدول العربية، غير البترولية تحديدًا، ستكون في مواجهة الأيام السيئة، من تحديات التضخم إلى غول الكساد، ومن ندرة فرص الحصول على العملة الصعبة إلى الارتفاع العالمي في أسعار الغذاء والطاقة، وفوق ذلك، فإنه حتى الدول التي تُعد مدمنة قروض، لن تجد الفرص للحصول عليها، في ظل أزمات مالية تضرب الجميع، وتجعل فرص الإقراض نادرة وبالتالي مرتفعة الفائدة.

وكمثال فقط يمكن تشريح الوضع الاقتصادي في لبنان ومصر وتونس، كأكثر الدول المهددة وفقًا لتصنيف صندوق النقد الدولي من الأزمة الحالية، والدول الثلاث تنتمي إلى مجموعة الدول ذات الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط، ويمزق واقعها سبب واحد، وهو شح مصادر النقد الأجنبي، مع الأخذ في الاعتبار أن الدول الثلاث مستوردة صافية في علاقاتها مع العالم الخارجي، أي أن وارداتها أكثر بأضعاف من صادراتها، وهي بالتالي تعتمد على مصادر غير ثابتة في تغطية هذا الفارق المروع، من تحويلات المغتربين والعاملين بالخارج إلى السياحة، وبالتالي فإن فرص التحكم في مواردها دائمًا تبقى بيد الظروف والمتغيرات، ويقع ضمن مجال سيطرة الآخر، أو الخارج.
والدول الثلاث، وكنتيجة مباشرة لهذه السياسات المالية الفاشلة، واجهت خلال العام الحالي أزماتها عارية، فسقطت دون مجهود يذكر، ودفعت مضطرة ضرائب الأزمة العالمية بأقسى طريقة ممكنة، ومع الفشل الحكومي الثابت، فقد تحمل المواطن ما لا طاقة له به من أثمان الانهيار الفادحة.

سقطت عملات الدول الثلاث (لبنان، مصر وتونس) في مواجهة الدولار، بعد أن سقطت إرادتها في امتحان التنمية، وتراوحت نسب انخفاض العملة الحقيقي بين 50% إلى 90%، وحتى هذه النسب المخيفة لا تزال قيد الحساب، إذ ينتظرُ مصر على سبيل المثال تعويم جديد مؤكد، قبل اجتماع حكومتها مع صندوق النقد الدولي يوم 16 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، ومع كل تراجع في قيمة العملة الوطنية، تجرى على رقاب المواطنين كالسيف ارتفاعات مذهلة في الأسعار، وتهددهم فيه موجات لافحة، تدفع بالمزيد والمزيد إلى مستنقعات الفقر والحاجة والحرمان.

وما يحدث فعلًا على صفحة الأيام، رغم اختلاف النظم السياسية والتوجهات وحتى وقائع الحياة اليومية ذاتها، هي أنه كما لكل فعل رد فعل، فإن كل تصرف مخالف للطبيعة الإنسانية كانت له ضرائبه المضاعفة على النسيج الوطني والتماسك الاجتماعي، فأكثر ما يثير القلق هو خلق مناخ من التشاؤم، يدفع بدوره إلى صناعة جفوة بين الحكام والمحكومين، تتحول بالحوادث المتلاحقة والضربات المتتالية إلى هوة، وتزداد اتساعًا كلما ارتفعت نسب الغضب المكتوم بين الناس، حينها، ومهما طال مدى القمع أو تمسكت قبضة الأمن، يصبح الانفجار مسألة وقت لا أكثر.

الغريب أن التشابه ذاته الذي يجمع بيننا كأمة عربية واحدة، يتبدى أكثر في الأزمات الاقتصادية التي تعصف بنا وتكبل دولنا وتكبح جماح أحلامنا المشروعة، وهو بالتالي ما يؤكد أن الحل الحقيقي ليس عبر اتّباع سياسات مفروضة من صندوق النقد والبنك الدوليين، ولا هو يمر عبر صكوك الرضا الغربي عن القرارات الاقتصادية للحكومات، بل هو أولًا وأخيرًا يكمن في طريق جديد للتنمية والإدارة، يؤمن بالقدرات الإنسانية الخلاقة لشعوبنا، ويملك من الثقة ما يجعله يراهن عليها، ويقف في صفها، ويزيح الضغوط الخارجية والوصاية الغربية، تمامًا كما فعل فريق المغرب ومدربه الوطني، لتبقى هذه هي فرصتنا الأخيرة للصمود والعبور.

المغربالاقتصادكأس العالم 2022

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة