طوفان الأقصى

مقالات مختارة

"حداد" في "إسرائيل": دولة الفاشيين تتحقّق
26/07/2023

"حداد" في "إسرائيل": دولة الفاشيين تتحقّق

صحيفة الأخبار -  بيروت حمود

اتّشحت أغلفة الصحف الإسرائيلية، أمس، بالسواد حداداً على «الديموقراطية» التي تهشّمت بإلغاء «ذريعة عدم المعقولية»، والتي خوّلت المحكمة العليا لسنوات إلغاء قوانين وقرارات يتّخذها «الكنيست» أو تمرّرها الحكومة. على أن هذا الحداد لم يكن إلّا تعبيراً عن رغبة المستعمرين البيض من المجتمع الصهيوني الليبرالي في الاستمرار في قتل الفلسطينيين وسلب أرضهم، بطرق تتلاءم مع معايير «المحكمة الجنائية الدولية»، وتُطابق دستورها الذي - لعقود طويلة - منح الحصانة لمجرمي الجيش الإسرائيلي بمصادقته على «نزاهة» «العليا». هذه الأخيرة نفسها، التي حلّت محل الدستور غير القائم، نجحت أيضاً في أن تكون «الضابط» الذي يحكم الانقسامات العمودية ما بين «المجتمعات» الإسرائيلية، راسمةً لكلّ فئة حدودها، ومتيحةً تعايشاً ممتدّاً لما يزيد عن سبعة عقود تخت مظلّة جامعة عنوانها الخوف من التهديد الوجودي. ومن هنا، لم يكن مُدهشاً أن تدقّ ساعة الحقيقة نهاية العام الفائت بفوز «الحكومة الأكثر تطرّفاً منذ عهد غولدا مئير»، والذي أشعر اليمينَيْن المتطرّف والفاشي، بأنه أمامهما فرصة ذهبية لتغيير طابع إسرائيل وهويتها، و«وضع حدّ لهذه المحكمة البغيضة والوقحة».

لكنّ الخطة التي تبنّاها اليمين الفاشي، لم تكن وليدة اللحظة، بل هي نتاج سنوات من التنظير والتخطيط من قِبل جهات عديدة، في مقدّمتها «فوروم كوهيلت» وشبكة الجمعيات والمعاهد المنضوية في إطاره، والتي صاغت بنود «خطّة الإصلاحات القضائية»، قبل أن ينُصّب لأجل تطبيق هذه الأخيرة، وزير القضاء، ياريف ليفين. وبحسب أفراهام برانك، الكاتب في صحيفة «معاريف»، فإن ليفين هو واحد من «الثُّلاثي الثوري»، الذي يضمّ إلى جانبه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورئيس لجنة الدستور والقانون سيمحا روتمان، و«يجتمع حوله العديد من الوزراء والمؤيدين الذين لا يعرفون ما الذي يدعمونه بالضبط: هروب رأس المال من إسرائيل؟ أم هروب جنود الاحتياط من الجيش الإسرائيلي؟ أم هروب النخب الأكاديمية؟». وإذ يحذّر برانك من «(أنّنا) سنجد أننا في بداية حرب أهلية مجنونة لا طائل منها»، فإن السبب وراء ذلك يكمن، وفقاً للبروفيسور أساف شارون، المحاضر في علم النفس في جامعة تل أبيب، وزميلته مايا مارك، الباحثة في التاريخ السياسي والقانوني في جامعة بن غوريون، في أن «الإسرائيليين المتواجدين في الشارع منذ سبعة أشهر، يدركون أن ما يحدث هو حرب على كلّ ما يملكه الإنسان: حريته، ثقافته، أملاكه، بيته، مستقبل أولاده...».

مع ذلك، يعتقد الباحثان، في مقالهما المنشور في «يديعوت أحرونوت»، أن «الطاقات المستعرة في الشوارع قد تخفت في لحظة الإعلان عن تسوية وهمية مع معارضة ضعيفة، كما قد تتلاشى ببطء نتيجة مناورات الحكومة المعهودة في المماطلة وإضاعة الوقت»، مذكّرَين بمصير احتجاجات 2011، والتي استطاعت حكومة نتنياهو احتواءها بـ«لجنة تراختنبرغ»، معتبرين أن هذا «قد يكون المصير الذي ينتظر احتجاجات 2023». وبمعزل عن أن الاحتجاجات السابقة والحالية اندلعت لأسباب مختلفة كلياً، فإن «غياب التنظيم والهدف المحدد، وتركيز الجهود الميدانية على إحباط المبادرات التشريعية، قد يكونان سبب النهاية المشابهة». وينبّه الكاتبان إلى أن «الانقلاب ليس سياسة نقطوية، بل يمثّل رؤية شاملة وواسعة لتحويل إسرائيل إلى دولة خاضعة لإيديولوجية دينية، حيث ينهب من هم في السلطة الموارد العامة ويفعلون ما يحلو لهم بحقوق وممتلكات المواطنين». وعليه، حتى لو نجحت الاحتجاجات في إفشال التشريع الأخير، «سيتبع ذلك المزيد من المحاولات باستخدام تكتيكات مختلفة»، بهدف «تحويل إسرائيل إلى ديموقراطية جوفاء».

ويقسّم الباحثان من يحاولون تغيير وجه إسرائيل إلى قسمَين: الأوّل، «يضمّ أعضاء الكنيست الذين يتركّزون بشكل أساسي في الليكود وشاس (حزب حريدي)، والذين يفهمون الحكم على أنه ملكية للسلطة السياسية والقدرة على منح امتيازات مادّية مقابل الدعم»؛ وأمّا الثاني فيشمل «أولئك الذين ينتمون إلى إيديولوجيا الصهيونية الدينية»، والذين يمثّلون «هو رأس حربة استراتيجية ثورية شاملة هدفها تغيير طبيعة إسرائيل بشكل جذري كما تَصوّرها آباء الصهيونية ونفّذها المؤسّسون». وعلى هذا الأساس، فإن برنامج العمل الذي يتبنّاه هؤلاء «ليس إكراهاً دينياً بالمعنى التقليدي، بل دين سياسي»، يستهدف «فرض اليهودية بصيغها الشريعية والأرثوذكسية والقومية والشوفينية والعنصرية والمبتذلة على دولة اليهود»، مع ما يعنيه ذلك من «إدخال الروح القومية الدينية للصهيونية في الثقافة العامة، وفي نظام التعليم، وفي الجيش، وفي الرموز والاحتفالات». كما أن «الصهيونية الدينية» تقود حرباً أخرى يقع في صلبها مشروع الاستيطان والمصادرة، والذي أثبت منذ 50 عاماً أنه «لا مبرّر له على مستوى المصلحة الوطنية الإسرائيلية». وعلى المستوى التنفيذي، فإن حكم القانون «يشكل عقبة أمام تحقيق خطط العمل المعلنة لهذه المجموعة: تقديم مزايا باهظة للمستوطنين، وتوزيع أراضي الدولة مجاناً عليهم، ونهب أراضي الفلسطينيين، وإقامة نظام تعليمي وسياسي ذاتي ومستقلّ، واستخدام العنف ضدّ الفلسطينيين». وإذ يلفت الباحثان إلى أن «الاستيطان نجح في التلال (في الضفة) فقط، ولكنه فشل في أن يتحقّق في قلب إسرائيل»، فهما يعتقدان أن «الخطاب الزائف والمشوّه الذي يُتداول في إسرائيل اليوم، تَظهر من خلاله حقيقة واحدة: فك الارتباط كان بالفعل نقطة فاصلة في ما يتعلّق بالصهيونية الدينية. كانت هذه هي الفترة الزمنية التي أدركت فيها أقلية يبلغ تعداد سكانها 7% من سكان إسرائيل أن المستوطنات كانت ولا تزال مشروعاً قطاعياً لليمين الديني، فيما الجمهور الإسرائيلي يفضّل سلامة جسد وروح جنود الجيش الإسرائيلي على التمسّك بالمستوطنات الصغيرة المدلّلة التي أقامها الصهاينة المتديّنون لهم على شاطئ البحر، على مسافة قصيرة من غزة».

إزاء ذلك، يشدّد الكاتبان على ضرورة «ترجمة احتجاج الشارع إلى برنامج سياسي على المستوى الوطني»، داعيَين إلى «اقتراح رؤية ليبرالية بديلة وإحداث تغيير في البنية الدستورية لدولة إسرائيل، والتي لن تسمح لأقلية مفترسة معادية للديموقراطية بالسيطرة على قيمها وعلى الجمهور العام». ويختم الباحثان بالدعوة إلى «الإطاحة بهذه الحكومة الشريرة وغير الشرعية»، وذلك «من خلال الشغب والتمرد والعصيان المدني، والإضرابات، ورفض الخدمة (العسكرية)». وإذ ينبّهان إلى أن «الهدف لم يَعُد "حكومة تغيير"؛ إذ قد تستغرق هذه الأخيرة وقتاً لتحقق "تنازلات"»، فهما يعتبران أن «على حركة الاحتجاج أن تحدّد هدفاً واضحاً متمثّلاً في إنهاء إمكانية الانقلاب القضائي، ومن ثمّ إعادة النقاش إلى إخلاء المستوطنات ووضع حدود جغرافية واضحة لإسرائيل. وإذا لم يكن القادة الحاليون للمعارضة وعلى رأسهم، يائير لبيد، وبيني غانتس، مستعدّين لذلك، فينبغي استبدالهم».

من جهته، يحذّر عضو «الكنيست» من «هناك مستقبل»، المحامي ران كاتس، في مقالة له في صحيفة «معاريف»، من عواقب التشريع الأخير على جنود الجيش الإسرائيلي وضبّاطه، موضحاً أن «إسرائيل تدير نظاماً قضائياً مستقلاً، ولذا، فإن سلطة محكمة الجنايات الدولية لا تُطبّق (على إسرائيل)»، مضيفاً: «حتى يومنا هذا، فقد سمح هذا المبدأ للجيش الإسرائيلي بتنفيذ مهامه في الحروب وبشكل روتيني، انطلاقاً من مادة في دستور المحكمة الجنائية الدولية تتناول الاستقلال القضائي لدولة تدور فيها حرب». ويستدرك أنه بإلغاء «حجّة عدم المعقولية»، «التي تُعدّ عقبة رئيسة في نظامنا القانوني، فلن تكون هناك قدرة على الدفاع عن الجنود أمام المحاكم الدولية»، متابعاً أن «كلّ مواطن إسرائيلي خدم في الجيش، قد يتعرض للتحقيقات والملاحقات القضائية عند سفره إلى الخارج». ويخلص كاتس إلى القول إنه «حالما يَضعف استقلال القضاء، فلن يعترف العالم بالنظام القانوني في إسرائيل وقد يتخطّاه»، معتبراً في الوقت نفسه أن الأوان لم يَفُت بعد، وأنه لا يزال «بإمكاننا أن لا نترك مقاتلينا في الميدان».

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

خبر عاجل