طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

فلول "14 آذار" وخطاب النازحين.. الانفصام من 2011 الى 2023
30/09/2023

فلول "14 آذار" وخطاب النازحين.. الانفصام من 2011 الى 2023

ميساء مقدم

في آذار/مارس 2011 دخلت سوريا ودول الجوار في النفق المظلم. أميركا ومعها بعض العِربان عَزَموا على بدء المغامرة بطعن العروبة من قلبها. التحركات التي انطلقت من درعا جنوب سوريا، سرعان ما نجح المخطط بتعميمها على عدّة مدن سورية. القناع المدني لما سمي بـ"الثورة" لم يصمد طويلًا. في تسلسل زمني سريع تطوّرت الأحداث بفعل التسليح والتمويل العربي - الخليجي، والتعبئة الإعلامية.

أشهر قليلة وبدأت غيوم الأزمة تلقي بظلالها على لبنان. تسرّبٌ غير مضبوط على الحدود للمسلحين متعددي الجنسيات الذين عاثوا قتلًا وإرهاباً بحق المدنيين في سوريا. أُريد حينها وبتخطيط غربي وتنفيذ عربي، أن يمتد الخراب الى المدن والقرى اللبنانية. لكن لكل مخطط أجنبي أيادٍ وأدوات داخلية، فمن هي هذه الأدوات التي مثّلت عصا المخطط الغربي ضد لبنان من الداخل؟ وكيف منعت هذه الأدوات لبنان من المحافظة على كرامة النازحين السوريين بتحقيق عودتهم اللائقة الى بلادهم؟ عودة سريعة إلى أرشيف التاريخ القريب مفيدة في تقديم إجابة موضوعية.

بتاريخ السبت 12 تشرين الثاني 2011، التمّ جَمع "14 آذار" في رِحلَة مُبَرمَجة أخذت طابعًا "إنسانيًا" صادمًا، خصوصًا أن من تصدّرها في ذلك الوقت هم رموز من اليمين المسيحي المعروف بعنصريته المقيتة ضد كلّ آتٍ من جهة دمشق، بل ضد كل ما هو عربيّ. فـ"ما عدا مما بدا" حتى باتت هموم النازح السوري لدى هؤلاء أولوية؟

وجهة رِحلَة وفد الأمانة العامة لقوى "14 آذار" كانت إلى محافظة عكار ومنطقة وادي خالد تحديدًا، وقد ضم الوفد النواب: نديم الجميل، انطوان زهرا، سمير الجسر، معين المرعبي، احمد فتفت، بدر ونوس، هادي حبيش وخضر حبيب، منسق الامانة العامة لقوى "14 آذار" النائب السابق فارس سعيد، النائب السابق الياس عطالله، عميد "الكتلة الوطنية" كارلوس اده، مستشار رئيس حزب "القوات اللبنانية" العميد المتقاعد وهبه قاطيشا، والقياديون في "القوات" نادي غصن، نبيل سركيس وإدي ابي اللمع، رئيس "حركة التغيير" ايلي محفوض، علي حمادة وعددًا من أعضاء الامانة العامة وشخصيات سياسية.

"التويترجيّ" النشيط فارس سعيد أعلن حينها أن "وفدنا اليوم يمثل كل الأطياف السياسية: "القوات اللبنانية"، "تيار المستقبل"، "الكتلة الوطنية"، "اليسار الديموقراطي" و"الكتائب" وكل الأحزاب والسياسيين المنضوين تحت لواء الرابع عشر من آذار، ووجوه من المجتمع المدني". وبعبارات شاعريّة، قال "ليس كثيرًا على لبنان الذي فتح ذراعيه للجميع أن يفتح أهله بيوتهم وقلوبهم للعائلات السورية التي تنزح جراء الظلم الذي تتعرض له داخل سوريا باتجاه لبنان". إحساس إنساني مرهف قلّ نظيره، دفع بالرجل إلى التصعيد أكثر محملًا "الدولة اللبنانية والحكومة اللبنانية مسؤولية تأمين الأمن لهؤلاء ومسؤولية السماح بدخولهم الى لبنان عند عائلاتهم واهلهم وجيرانهم، واقربائهم من دون التعرض لهم من قبَل اي جهة كانت أمنية أم مدنية".

الرسالة الإغاثية جاءت من الوفد الذي حضر "ليتلمس ويرى ماذا يحدث ميدانيًا مع النازحين من مشاكل انسانية وأمنية". وبعد استغلال الإرهابيين أماكن تجمعات النارحين والتغلغل بينهم للانطلاق بهجماتهم ضد المناطق اللبنانية، أصدر سعيد تحذيرًا واضحًا للجيش اللبناني من القيام بأية خطوات تنظم تواجد النازحين ودخولهم الى لبنان: "لا أحد يستطيع أن يمنع أي عائلة في وادي خالد خصوصًا وعكار عمومًا أن تستقبل اي عائلة نازحة من سوريا، كما أنه لا يحق لأحد أن يمارس الضغط على هذه العائلات التي تستقبل العائلات النازحة ولا يحق لأحد أيضًا أن يقوم بأي عمل أمني من أجل الضغط عليهم".

الرجل الخائب، صاحب الحظ العاثر والمشاريع الفاشلة منذ بداياته، كانت له بصمته أيضًا في دعم النزوح العشوائي ومنع الدولة من تنظيم هذا الملف بما يحفظ أمن النازحين واللبنانيين على السواء. في واحد من تصريحات قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع انتقد في 12 آذار /مارس 2012 في مقابلة مع قناة "أم تي في" الأجهزة الأمنية اللبنانية قائلًا: "بعض الأجهزة تتعامل على أن دخول اللاجئين السوريين هو دخول خلسة الى لبنان، شو هالمزح هيدا؟"، مشددًا على أن "الموقف الرسمي اللبناني يجب أن يكون محايداً ويأخذ بالاعتبار القوانين اللبنانية والدولية".

وكما في كل محطة حاول فيها الجيش اللبناني التدخل لفرض الأمن والسيادة حرصًا على مصلحة لبنان وشعبه، تصدّت أمانة ما تبقى من فلول "14 آذار" لهذا الدور. وبعد تزايد وفود الارهابيين الى عرسال ومحيطها، وارتفاع أعمال القتل والترهيب للمواطنين والنازحين على حد سواء، وأخذ البلدة كنقطة انطلاق للاعتداء على سائر المدن اللبنانية، رسم الجَمع ذاته خطوطه الحمر للجيش اللبناني، بتوجيه غربي - عربي. وفي زيارة تمهيدية للإرهاب التكفيري قبل عامين من احتلاله رسميًا البلدة، حضر وفد أمانة "14 آذار"
الى عرسال في 13 أيار/مايو 2012 بذريعة "تفقد النازحين السوريين وضرورة إغاثتهم". الوفد ضم النواب طوني ابو خاطر، شانت جنجنيان، عاصم عراجي، جمال الجراح، انطوان سعد، امين وهبي وزياد القادري، والمنسق العام لقوى 14 آذار فارس سعيد.

وكان بطبيعة الحال موقف لسعيد قال فيه: "جئنا الى عرسال لبنانيين من مختلف المناطق والطوائف والأحزاب في إطار 14 آذار للتضامن مع أهلها، وزيارة عائلاتها وزيارة العائلات السورية النازحة، ومن أجل أن نقول منها وعبرها الى من يهمه الأمر أننا نطالب الحكومة بالاهتمام الفوري بأهالي عرسال والبقاع كما بوضع العائلات النازحة من سوريا من خلال تأمين الحاجات لها عبر الهيئة العليا للاغاثة. ونطالب بأن تتحمل وزارة الصحة مسؤولية تأمين الجرحى والمصابين في المستشفيات على نفقتها".

وبعد أن تقدم بالشكر "لكل الذين دعموا صمود البلدة من دول عربية وصديقة وبعض المؤسسات الدولية"، قاصدًا الدعم التسليحي واللوجستي للارهابيين لا الدعم الإغاثي للاجئين، أعلن عن لائحة المناطق التي يحرم على الجيش اللبناني الاقتراب منها بالقول: "تعتبر قوى 14 آذار عرسال ووادي خالد وجبل الشيخ والعريضة ومنطقة القاع التي نخصها بتحية حارة، مناطق مستهدفة من جيش النظام السوري وهي تتمنى على نوابها، ليس من نواب البقاع إنما نواب 14 آذار، تأليف لجنة متابعة من اجل تأمين التواصل مع كل المعنيين لدعم صمود هذه المناطق وغيرها التي تستقبل النازحين السوريين وتقدم لهم المساعدات الإنسانية".

على هذا المنوال، استمرت هذه القوى بإغفال مصلحة لبنان والنازحين على حد سواء بعودتهم إلى وطنهم. وكان الحقد وحده المتحكم الأوّل بالمواقف والقرارات. ففي جلسة الحكومة برئاسة سعد الحريري بتاريخ الأربعاء 20 شباط 2019، شاغب وزراء القوات اللبنانية حتى افتعال "مشكل" ضد زيارة وزير شؤون النازحين صالح الغريب لدمشق لتنظيم عودة النازحين، وضد موقف وزير الدفاع الياس بو صعب على هامش مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ الرافض للمنطقة التركية العازلة في شمال سوريا. وضع حينها وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان ووزيرة التنمية الإدارية مي شدياق زيارة الغريب وموقف بو صعب في إطار خرق النأي بالنفس. وصوّب قيومجيان على المجلس الأعلى اللبناني السوري ورئيسه نصري خوري، فوصف المجلس بـ"الشيطاني". يومها، وجد الوزير الغريب نفسه مضطرًا لتقديم مطالعة طويلة انتقد فيها حملة التهويل القواتية، نافيًا أن تكون زيارته لدمشق خرقاً للنأي بالنفس فـ"نحن لم نلتحق بمحور ولم نذهب إلى سوريا من أجل مكسب، بل لمعالجة أزمة لبنانية وطنية، والشيطاني هو إبقاء النازحين السوريين في لبنان التزاماً بأجندة دولية نجهل أسبابها".

إخفاقات جعجع لا تقف عند حدود مشاريعه السياسية، بل تصل الى خياراته غير الموفقة على صعيد اختيار وزرائه. مي شدياق الداخلة الى عالم السياسة، من عالم الإعلام المتطرّف لا الموضوعي، كان لها تصريح "فاقع" في هذا المجال. فـ"على دمائها" لن تقبل يومًا بعودة النازحين السوريين الى بلادهم. في 22 شباط 2019، كتبت سلسلة تغريدات جاء فيها: "لا يُزايدنّ علينا أحد في ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم. والحل الفعلي مرتبط بالحل السياسي النهائي بالتنسيق مع المجتمع الدولي، اما ان يوهمنا البعض بأن ملف العودة مرتبط بالتطبيع مع النظام السوري، فأمر نرفضه ولن نقبل استدراجنا اليه". "هل استباق أول جلسة لمجلس الوزراء بدعوة وزير لبناني إلى دمشق خطوة بريئة من قبل نظام يضع رئيس حكومتنا وكبار زعمائنا على لائحة الإرهاب؟"، وأضافت: "أيها الغافلون استيقظوا من سباتكم، أيها المتواطئون أقلعوا عن محاولات التذاكي، إذا قلت إن ذلك لن يحصل ولو على دمائنا لا أكون أغالي، فمن دفع الثمن مرة دفاعاً عن كرامة وحرية بلده لن يتوانى عن بذل الغالي والرخيص الف مرة للحفاظ على مبادئه وصون عزّة بلده".

فلول "14 آذار" وخطاب النازحين.. الانفصام من 2011 الى 2023

ما سبق، هو نبذة عن خيارات بعض اللبنانيين ضد المصلحة الوطنية العليا. هؤلاء الذين اتخذوا من قضية انسانية كالنزوح السوري إلى لبنان غطاء لمشاريعهم السياسية التي لم تكلف لبنان سوى الويلات، انقلبوا اليوم على كل تصاريحهم، وعادوا دون أقنعة ينظّرون على الشاشات بخطاباتهم العنصرية ضد النازح السوري و"خطره"، ويحرّضون ضد العمّال السوريين وسكن عائلاتهم.

أما الموقف الثابت الرصين، فكان من قبل الجهة التي أعلنت منذ البداية أن سوريا هي البلد الآمن لشعبها، وأن النازح السوري في لبنان محفوظ الكرامة مع مراعاة القوانين اللبنانية، والابتعاد عن الخطاب العنصري، وضرورة التنسيق مع الدولة السورية لعودة النازحين الى مدنهم وقراهم ومنازلهم. وهذه شروط لا تتحقق إلا بعودة العلاقات مع سوريا على أعلى الصعد، وتعزيز التنسيق بمختلف الأطر، والدعوة الى رفع الحصار الأميركي عن دمشق لتتمكن من بناء ما هدمته المخططات الشيطانية.

لبنانالنازحون السوريون

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة