آراء وتحليلات
شاهدٌ من أهله: يسعون إلى اشعال حرب أهلية
يونس عودة
بات من الواضح ان الاستعصاء في انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وسط بروباغندا الاكاذيب المفتوحة والمفضوحة، ليس مسارا سياسيا تعتمده القوى العبثية في لبنان فحسب، بل يقع ضمن مسار توتيري يحاكي الحرب الاهلية اللبنانية السيئة الذكر، مع اختلاف الظروف وتبدد بعض القوى التي شاركت بتلك الحرب، مقابل بقاء قوى كانت اسطع عناوين الحرب، وتناسل قوى منها، لا تختلف في الجوهر عنها، والخلاف بينها، أي بين القوى الاساسية والقوى المتناسلة محوره السلطة والنفوذ المأمول.
ليس كلاما بسيطا ما ورد على لسان احد ابرز المتطرفين، والذي كان زعيم الامانة العامة لـ "قوى 14 اذار" المتفككة، فارس سعيد الذي توجه للقوى الساعية الى الحرب، وهو من صلبها، بأنكم اذا كنتم قادرين تعالوا لنضرب عصا، اي لنبدأ الحرب.
قال سعيد في صريح العبارة في سياق الكشف عن نوايا الفريق الذي يريد اشعال البلاد، ومتوجها لهذا الفريق "ان عكس الحوار هو العنف، واذا كنتم ــ كما في السابق ــ قادرين على ان تأتوا بارييل شارون مع 100 الف عسكري اسرائيلي ليدخلوا لبنان، واذا كنتم قادرين على ان تقنعوا السعودية بتسليحكم، واذا قطع الاميركيون (حتما بالقصف) الطرق المؤدية الى لبنان من سوريا، فلتكن، اما اذا لم يكن كل ذلك موجودا، ونذهب الى حرب عبثية، والانسحاب من الصيغة اللبنانية، فانا مع الحوار".
اليس هذا الكلام الموجه الى القوى الساعية لاشعال البلاد، بشهادة من أحد أركانها، يكشف المضامنين الحقيقية لما تحوكه تلك القوى، بعد ان استكملت آلتها الاعلامية، وتراهن على تمويل لعبثيتها، بعد ان اهدرت المليارات من الاموال من بعض دول الخليج، اضافة الى الولايات المتحدة التي اقر مسؤولوها امام الكونغرس بصرف مليارات من اجل تشويه صورة الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وتأليب اللبنانيين على المقاومة، منذ الاندحار الاسرائيلي عام 2000، عن أرض لبنان وبعد الهزيمة المدوية لجيش الكيان عام 2006، مضافا لذلك الاستعانة بمنظمات غربية عددها بالالاف لتنظيم انقلاب عبر الشارع بتمويل غربي فاضح؟
لقد نشرت العديد من التقارير ان جهات لبنانية تدرب ميليشيات في بعض الدول العربية، كما ان تدريبات تحصل في اماكن جبلية، لدى الاجهزة اللبنانية معلومات موثقة حولها ومنذ العام 2007 مستمرة، وإن بفترات غير متصلة، وكان بعض تلك العناصر من قطاع الطرق اثناء اعلان الدول الغربية انها مستعدة لمساعدة الشعب اللبناني، لكن ليس عبر الدولة، وانما عبر القوى المرتبطة بمنظمات "NGOs".
كثيرة اوجه الشبه بين ما يجري حاليا، وما جرى في الماضي، الا ان بعض القوى أجرت مراجعات نقدية. واخرى لا تزال غارقة في الماضي، وتستسيغ لحس المبرد، دون الاستفادة من العبر، سيما مواصلة نهج تنفيذ ارادة خارجية بوهم انها قادرة على تحقيق مآربها المريعة بحماية تلك الدول، رغم التجارب غير المشرفة.
يؤكّد السفير الأميركي السابق، روبرت أوكلي، في كتاب "ميادين التدخل" لـ "جيمس ستوكر" أن "الحكومة الأميركية قامت بامداد من وصفها بــ "المليشيات اليمينية" بالسلاح والمال حتى قبل حرب تشرين الاول/ أكتوبر 1973، وقد تولّى سركيس سوغانليان تزويد المليشيات اليمينية بالسلاح بتكليف من الاستخبارات الأميركية. واعترف سوغانليان نفسه بأن أول شحنة سلاح للمليشيات في لبنان شُحنت في عام 1973 بالتنسيق مع CIA ومع وكالة استخبارات وزارة الحرب الأميركية وموّل بطرس الخوري وناصيف جبور شحنة أسلحة أخرى، وثمّة وثيقة في الأرشيف الوطني الأميركي تؤكد أن الملك حسين قدّم إلى المليشيات اليمينية اللبنانية 400 طن من السلاح والذخيرة، وورد في إحدى وثائق الأرشيف البريطاني لعام 1977 اعتراف لداني شمعون بأن دولة عربية كبيرة زودت "الجبهة اللبنانية" بقنابل مدفعية من مخزونها العسكري، و"الجبهة اللبنانية" هذه هي نفسها "جبهة الحرية والإنسان" التي ظهرت في مطلع 1976، وكانت مؤلفة من كميل شمعون وبيار الجميّل، وغيرهما من عتاة الموالين للغرب، والمرتبطين بعلاقات مع اسرائيل انذاك، وعلاقات أكثر متانة لبعضهم مع المخابرات الاميركية، ولو كان المشغلون برتب متدنية جدا. وهي الجبهة التي انسحب منها الرئيس الراحل سليمان فرنجية سنة 1978، بعدما اكتشف علاقتها بالموساد، الأمر الذي كان أحد أسباب اغتيال نجله طوني فرنجية وعائلته، فيما الناجي الوحيد منها المرشح الرئاسي الحالي سليمان فرنجية.
ليست مفارقة ان يعتمد الفريق التواق الى إهراق الدم اللبناني، أساليب التضليل الاميركي عبر شعارات ومقولات محشوة بالاكاذيب، على انها حقائق، وهي وحدها المالك الحصري، لقدرتها على التلاعب بمشاعر الناس وتخويفهم من طرف لا يجارونه في الانتماء الوطني، والحرص على السلم الاهلي.
لا شك ان الافتراءات كما الآثام، سوف تتكشف، والأهم الا يكون ذلك بعد مقتل الآلاف من الأبرياء، ودمار جديد يلحق بوطن الأرز، نتيجة تصنيع كذبة أنتجتها الأروقة الاميركية، وسوقتها أطراف محلية شغفها السلطة، لا الوطن.
ان صناعة الكذب وقولبته "بالشرف والنزاهة" مهارة شيطانية في سياق "الدعاية السوداء" لتطرق الأسماع والقلوب، لا سيما في الاجيال الناشئة التي لا تعرف شيئا عن مآسي الحروب، وقد اثبتت الولايات المتحدة ان الحقيقة الوحيدة التي صدرتها للمتعاونين معها هي حقيقة الكذب، وليكن الطوفان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024