آراء وتحليلات
عزمي دحلان ومحمد بشارة.. والتطبيع عبر العواصم العربية الثانوية
د. جمال واكيم
في العام 1993 وقّع رئيس اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات اتفاقية أوسلو مع رئيس حكومة العدوّ الإسرائيلي إسحق رابين وتنص على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفّة الغربية وغزّة كمقدمة لإقامة دولة فلسطينية. بعد ذلك بعام تم التوقيع على اتفاقية وادي عربة بين الأردن و"اسرائيل"، وكان الحديث يدور عن أن لبنان وسورية سيوقعان اتفاقًا مع الكيان بما ينهي الصراع العربي - الإسرائيلي ويفتح الباب أمام التطبيع الكامل بين العرب والصهاينة.
لكن الإتفاق لم يحصل بنتيجة الخلاف على شروط السلام بين سورية والكيان الصهيوني ما عرقل الآمال الإسرائيلية بالتطبيع مع العرب. وتضامنت آنذاك العواصم العربية الرئيسية كالقاهرة والرياض مع دمشق وتمنعت عن التطبيع لحين حصول السلام العادل والشامل. هنا لجأت "تل أبيب" إلى الدفع بالتطبيع قُدُمًا عبر اقامة علاقات مع عواصم عربية ثانوية، فأقامت في العام 1995 ممثليات تجارية في تونس والدوحة إضافة إلى حديث دار عن إقامة علاقات سرية مع الإمارات العربية المتحدة.
عزمي بشارة
حتّى العام 2007 كان عزمي بشارة يعرف على أنه العضو العربي في الكنيست الإسرائيلي، وكان دوره قد برز كأحد أبرز المدافعين عن حقوق فلسطينيي الأراضي المحتلّة عام 1948. لكن في ذلك العام انتقل بشارة إلى الدوحة بحجة ملاحقته من قبل السلطات الصهيونية بذريعة دعمه للمقاومة اللبنانية ولحزب الله خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في العام 2006.
بعد ذلك بدأ بشارة يعرّف عن نفسه "بالمفكر العربي"، ولم يعد يصدر بيانات أو مواقف تندد بالاحتلال الإسرائيلي، لا بل إنه تصدر مشهد مهاجمي الأنظمة العربية وعلى رأسها سورية خلال انتفاضات الربيع العربي وكان ممن دعوا لإسقاطها. وقد مُنِح بشارة تمويلًا قطريًا لجامعات ومراكز أبحاث ومؤسسات إعلامية أقامها واستقطب من خلالها حشدًا من الدكاترة والإعلاميين العرب الذين لعبوا دورًا بارزًا في الدعوة لإسقاط الأنظمة العربية.
وتماهى موقف بشارة مع الدولة الراعية له وهي قطر والتي شكلت قاعدة تغيير الأنظمة العربية أقله حتّى العام 2015. وكان هذا الدور قد أوكل لقطر من قبل الولايات المتحدة التي كانت تسعى لاعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية عبر إسقاط الأنظمة فيها، وإحداث حروب أهلية تؤدي إلى تقسيمها، وذلك لإقامة كيانات اثنية وطائفية وعشائرية بما يجعل من "إسرائيل" أكبر أقلية بين مجموعة أقليات في منطقة الشرق الأوسط.
محمد دحلان
في العام 1994، وبعد عام على توقيع اتفاقية أوسلو، أسس عضو فتح محمد دحلان جهاز الأمن الوقائي للسلطة الفلسطينية في غزّة. وقَمَع هذا الجهاز أعضاء الحركات الفلسطينية المقاومة، كما قام بالتنسيق الأمني مع جهاز "الشين بيت" الإسرائيلي بقيادة "أمنون شاحاك" و"يعقوب بيري". وبعد اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000 وقع خلاف بين رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات ودحلان نتيجة تجاوز الأخير الخطوط الحمر بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين. ورغم سعي عرفات لازاحته، إلا أن محمود عباس هو من حمى دحلان وأبقاه في منصبه.
في العام 2007، سيطرت حماس على مراكز السلطة الفلسطينية في غزّة بعد معلومات مؤكدة وصلت الى الحركة بأن دحلان يتآمر مع الإسرائيليين ضدها. بعد سيطرة حماس على غزّة لجأ دحلان إلى مصر ثمّ إلى الامارات العربية المتحدة حيث تلقى رعاية خاصة من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الذي أضحى الحاكم الفعلي للإمارات. وعبر دحلان وجدت الإمارات نفسها لاعبًا رئيسيًا على الساحة الفلسطينية، أكان ذلك في فلسطين المحتلّة أو في مخيمات اللجوء الفلسطيني في البلدان العربية المجاورة لفلسطين. وقد كان لدحلان دور في اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي وذلك لصالح الاستخبارات الإسرائيلية. كما كان له دور مبطن في شراء الأراضي في القدس لصالح المستوطنين وفي التدخل في المخيمات لدفع صفقة القرن قدما.
ما هي اذن أوجه الشبه بين عزمي بشارة ومحمد دحلان؟
الرجلان بدآ "مناضلين" فلسطينيين ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن كليهما اندمجا بالمؤسسات الإسرائيلية، واحد عبر عضويته بالكنيست الإسرائيلي والآخر عبر تنسيقه الأمني مع الإسرائيليين.
اضافة إلى ذلك، لجأ الرجلان إلى عاصمتين عربيتين ثانويتين كانتا مرشحتين من قبل الإسرائيليين لتكونا قواعد للتطبيع بين العرب و"إسرائيل"، وتلقيا رعاية خاصة من الدول المضيفة، كما أنه لم يتم استهدافهما من قبل الاستخبارات الإسرائيلية رغم قدرتها على الوصول اليهما في هذه العواصم.
كلا الرجلين لم ينبسا ببنت شفة ولو بموقف مؤيد لقضية الشعب الفلسطيني، وعوضًا عن ذلك، فإنهما ساهما في تجييش نخب عربية باتجاه ضرب دول تقاوم "إسرائيل"، كما فعل عزمي بشارة مع النخب المثقفة العربية التي تجندت لأدلجة عملية تغيير الأنظمة، وكما فعل دحلان لجهة التشويش في الساحة الفلسطينية.
قد يتحدث البعض عن نظرية مؤامرة. لكن أليس ما نعيشه في عالمنا العربي منذ عقود مؤامرة؟ وأليس التساؤل عن سر الشبه بين الحالتين مشروعًا في ظل المعطيات المقدمة؟
|الشبهة الواردة في العنوان مقصودة وتنطلق من إشكالية طرحت نفسها نتيجة تشابه ظروف انتقال الشخصيتين من فلسطين المحتلة إلى منطقة الخليج".
الإمارات العربية المتحدةالسلطة الفلسطينية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024