نقاط على الحروف
جعجع تراجع.. فهل يعتذر من اللبنانيين؟!
يمتهن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع سياسة ضرب المندل، يرمي الاتهامات جزافًا، رهاناته السياسية خاسرة، توقعاته خائبة، لم تصب يومًا، لكنّه لا يتعلّم من تجارب الماضي، ولا يستبدلُ أداءه المليشياوي..، أما خلعه زيه العسكري واستبداله ببدلة، فتلك لوازم "الإتيكات" السياسي. يصرّ دومًا على استحضار زمن الحرب ومآسيها في أدائه، واستنساخه لإسقاطه على الحاضر، غير آبه حتّى لو أعاد لبنان خمسين عامًا إلى الوراء.
لا يتورّع جعجع عن ممارسة الدجل السياسي وفبركة الاتهامات ضدّ خصومه السياسيين لاغتيالهم معنويًا. ينادي بالدولة والمؤسسات، لكنّه لا ينتظر تحقيقات الجيش والقوى الأمنية، ولا يثق بالقضاء، ولا يحترم نزاهته واستقلاليته ولا أحكامه في جرائم عادية يحصل مثلها يوميًا في مختلف المناطق اللبنانية، فيسارع دومًا إلى تسيسس كلّ جريمة جنائية في مناطق نفوذه، ويحوّلها إلى اغتيال سياسي، بغية تصفية حسابات، أو حصد تأييد والتفاف شعبي من قلّة تغرّد خارج السرب الوطني وتتغذى على النعرات المناطقية والطائفية وعدم تقبّل الآخر.
في آخر الإبداعات، وبعد أسابيع من التحريض الذي كاد أن يشعل فتنة ويزجّ البلد في أتون حربين- الأولى أهلية والثانية بين اللبنانيين والنازحين السوريين- نزل الوحي على جعجع فجأة وتراجع في حديث لصحيفة "لوريان لو جور" الفرنسية عن كلّ الاتهامات التي ساقها حزبه، بمنظومتيه السياسية والإعلامية، ضدّ حزب الله بشأن قتل مسؤول "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان، قائلًا ما حرفيته: "في قضية باسكال سليمان، لا أتهم الحزب من دون أدلة"..!
لكأنّه مفترض على اللبنانيين أن ينسوا بسرعة ما حصل فقط قبل أسبوعين، وكيف كان البلد واقفًا على "كف عفريت"، وما نجاه سوى حكمة المخلصين، ممن يحقنون الدماء حرصًا على الوحدة وسلامة العيش المشترك، بمواجهة من يعزفون على الدماء لاشعال فتنة تدخل البلد في بوسطة عين الرمانة من جديد، فلا يخرج منها إلّا رمادًا. وكأنّ مفترض على اللبنانيين ألّا يتذكروا كيف سارع جعجع لكسر كلّ القيود والمحاذير الأمنية التي يتذرع بها دومًا لمقاطعة الحوارات أو اللقاءات الجامعة التي توصل الجسور الوطن وتوطد علاقات أبنائه، ليهبط فجأة والدم حامٍ على جبيل، للاستثمار بمقتل سليمان، وتوظيفه كما فعل في جرائم مماثلة سابقًا.
بات من حقنا، هنا، أن نبني على مقتضى تراجع جعجع عن اتهاماته ضدّ حزب الله، ونسأل: على أي أساس يرمي وحزبه تلك التهم فيدين من يشاء ويبرئ من يشاء، ويتجاهل تحقيقات الجيش والقوى الأمنية، ساعة يشاء، ويشيد بها ساعة يشاء، وفقًا لما تشتهي مآربه السياسية؟
بعد هذا التراجع، من حقنا أن نسأل ونشكك بكلّ ما ساقه ويسوقه جعجع من اتهامات سابقة ضدّ خصومه السياسيين التي اتضح، ويتضح يومًا بعد يوم، أن هدفها توظيف سياسي تعبوي لشحن النفوس الحامية وشد العصبيات، وآخرها تحويله جريمة سرقة ذهب ضحيتها باسكال سليمان إلى خطر وجودي، يوم خاطب جعجع مشيعي سليمان قائلًا: "وقت الخطر قوّات". وهو الذي أصرّ سابقًا على اتهامات مماثلة لحزب الله بجريمة اغتيال الياس الحصروني، على الرغم من تأكيد وزير الداخلية في تصريف الأعمال بسّام المولوي أن لا طابع سياسي أو حزبي لتلك الجريمة، وبالرغم من تقديم التحقيقات رواية مطابقة لما أدلى به المولوي، وهو الذي أصر أيضًا-أي جعجع- على اتهاماته لحزب الله بالوقوف خلف انفجار مرفأ بيروت.
بعد هذا التراجع "القواتي"؛ أليس الأجدى بجعجع أن يعتذر من اللبنانيين ممّا كان على وشك أن يزجّهم فيه جراء مسارعته وحزبه لإطلاق الأحكام المتسرعة والمتهورة بدل انتظار نتائج التحقيقات؟
لكن السؤال الأهم يبقى: "هل سيأخذ العبر أم سيكرّر عزف سيمفونيته التي باتت ممجوجة؟".
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
28/10/2024
المراسل الحربي لا ينقل "مجرد وجهة نظر"..!
26/10/2024