آراء وتحليلات
فرضية تقدم العدو من البقاع الغربي كيف ستواجهها المقاومة؟!
تزداد الترجيحات بإمكانية إقدام الكيان الصهيوني على شن عملية عسكرية واسعة على لبنان، في ظل تصريحات القادة الصهاينة عالية النبرة وتهديداتهم بتوجيه ضربة قاسية للمقاومة. وعلى المراقب الموضوعي أن يدرك بأن هذه التهديدات ليست جوفاء ولا تهدف فقط إلى الضغط على المقاومة لدفعها إلى فك ارتباط جبهة جنوب لبنان عن جبهة غزة، بما يسمح للكيان بإعادة مستوطنيه إلى المستوطنات في الجليل والاستفراد بالمقاومة في غزة.
الجدير ذكره أن الكيان الصهيوني يدرك بأنه ليس قادرًا على تحقيق هدفه بالقضاء على المقاومة في غزة على الرغم من الجرائم التي يرتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين. وهو بات يعي بأن صمود غزة قد بدأ يدفع الأمور في الضفة الغربية إلى الانفجار في مواجهة الاحتلال فاتحًا بالتالي جبهة جديدة قد تكون أصعب بكثير من جبهة غزة ولبنان معًا. ولأن المقاومة في لبنان تشكل الرئة التي تتنفس منها المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، فقد يدفع عجز الاحتلال عن القضاء عليها في الميدان بالحكومة "الاسرائيلية" إلى توجيه ضربة قوية لحزب الله في محاولة لخنق المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
هنا يبرز التباين بين المؤسسة السياسية الصهيونية وعلى رأسها بنيامين نتنياهو التي تدفع باتجاه تبني خيار شن عدوان واسع على لبنان، والمؤسسة العسكرية التي أنهكتها معارك غزة والتي تتوجس ريبة من أن يكون الميدان اللبناني أصعب بكثير من غزة بحكم عدة عوامل من ضمنها وجود عمق إستراتيجي للمقاومة يمتد من جنوب لبنان إلى البقاع وسورية وحتى العراق وإيران على خلاف غزة المحاصرة ضمن مساحة ضيقة، إضافة إلى امتلاك حزب الله لقوة وخبرة قتالية وترسانة أسلحة أقوى بكثير من تلك التي تمتلكها المقاومة في غزة.
على الرغم من ذلك، فإن نتنياهو لا يزال يندفع باتجاه خيار التصعيد في مواجهة لبنان وهو ينتظر نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة واحتمالات عودة صديقه الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لأخذ الضوء الأخضر بشن عدوانه على لبنان. وبحال حصل هذا العدوان فإنه قد لا يكتفي بشن عدوان جوي لأن هذا لن يحسم المعركة بناء على تجارب سابقة. من جانبها، فإن القيادة العسكرية "الإسرائيلية" تتوجس من عملية توغل برية. فإذا كانت عاجزة حتى الآن عن تحقيق نصر حاسم ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، فما الذي سيجعل الأمور مغايرة في ميدان أصعب بكثير هو جنوب لبنان. وإذا كانت المقاومة اللبنانية قد تمكنت بإمكانات أقل بكثير في العام 2006 من تدمير الدبابات "الإسرائيلية"، فما الذي سيمنعها اليوم من تدمير مزيد من الدبابات وإلحاق خسائر موجعة بـ"الإسرائيليين"؟.
قد يلجأ الصهاينة إلى عملية برية تتجاوز الخطوط الدفاعية القوية للمقاومة في جنوب لبنان في منطقة لا يمتلك فيها حزب الله سيطرة كاملة وبيئة حاضنة بالكامل هي منطقة البقاع الغربي المتشعب طائفيًا. وقد يراهن العسكريون الصهاينة على اندفاعة للدبابات من سهل الحولة باتجاه نيحا وجزين لفصل جنوب لبنان عن البقاع ومن ثم الاندفاع نحو منطقة البقاع الأوسط لقطع طريق الشام بيروت بما يعزل المقاومة في الجنوب عن عمقها الإستراتيجي.
لكن يبقى دون هذا الخيار صعوبات جمة بالنسبة للصهاينة. فإذا كان أشخاص غير ذي خبرة في الشأن العسكري مثلي قد فكروا بهذا الاحتمال، فلا بد أن يكون هذا الأمر قد دار في خلد قادة المقاومة العسكريين وتحسبوا له. كذلك، فإنه حتى لو تمكن الصهاينة من الاندفاع في هذه المنطقة والسيطرة عليها، فإن هذا قد لا يؤثر في المقاومة التي تقيم مخازن سلاح وتموين في العديد من الأنفاق المحفورة في جنوب لبنان. عدا عن ذلك فإنه في حال نفذت "إسرائيل" مخططها بالاندفاع من البقاع الغربي إلى البقاع الأوسط فإنها ستجد نفسها في حرب عصابات ضد مقاومة ليس فقط من حزب الله بل أيضًا من فصائل إسلامية أخرى في تلك المنطقة تعتبر أن الحرب الحالية هي حرب حماس في مواجهة الاحتلال، من دون أن ننسى دور العديد من الفصائل القومية واليسارية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/10/2024