لبنان
السعودية تهدد بعقوبات اقتصادية على لبنان.. والغرب مع استمرار الحكومة
بقيت الأزمة مع السعودية في صدارة اهتمامات الصحف الصادرة في بيروت، والتي باتت خلفياتها واضحة لجهة المأزق السعودي في اليمن ومحاولة نيل مكاسب في لبنان من خلال الضغوط الاقتصادية والسياسية على بيروت.
الصعود السعودي إلى أعلى الشجرة لم يثمر على الأرض، وسط حديث عن قرار أمريكي فرنسي بعدم إسقاط الحكومة اللبنانية، التي تريد الرياض الإطاحة بها لعدم رضاها في الأصل عن تشكيلها لمشاركة حزب الله فيها.
كما أن استقالة وزير الإعلام باتت غير واردة، ما يطرح علامات استفهام كبيرة عن الأيام المقبلة وما ينتظر البلاد من ضغوطات إضافية سيمارسها النظام السعودي على الشعب اللبناني.
"الأخبار": لبنان يرفض الابتزاز والسعودية تهدد بعقوبات اقتصادية
يعرف الرئيس نجيب ميقاتي قواعد اللعبة. السعودية لم تختَره رئيساً للحكومة. وهي أساساً غير مهتمة بالتواصل معه. ويعرف أيضاً أنه جاء إلى رئاسة الحكومة بغطاء أميركي وفرنسي. لذلك، يتصرف عملياً على أساس أن باريس أولاً، ثم واشنطن وربما آخرون، هم من يقررون مصير حكومته. لذلك عمد فور اندلاع «الغضب السعودي» من تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي، إلى التواصل مع الفرنسيين والأميركيين طالباً المشورة والعون. وأول ما سمعه: لا تستقل، دعنا نحاول التوسط، لكن فَكّر في خطوة تساعدنا! ومع تعثر المحاولات في لبنان، توجه ميقاتي إلى بريطانيا للمشاركة في قمة المناخ، حيث يتوقع أن يلتقي هناك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ويجري اتصالات للاجتماع بمسؤولين أميركيين، وفي جيبه ورقة من خيارين: إما توفير تغطية دولية لحكومتي أو الاستقالة!
الوساطة مع الغرب بدأت بتواصل وزير الخارجية عبدالله بو حبيب مساء الجمعة مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشرق الأوسط فيكتوريا نولاند التي أبلغته استعداد بلادها للتوسط شرط تقديم لبنان تنازلاً كاستقالة قرداحي. ثم عاد رئيس الحكومة واتصل بالمسؤولة الأميركية التي أعادت على مسمعه ما أبلغته لوزير الخارجية، ولم تجبه على طلبه بترتيب لقاء له مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على هامش قمة المناخ في اسكتلندا. وقد كان ميقاتي صريحاً في إبلاغ المسؤولة الأميركية بأنه غير قادر على إجبار قرداحي على الاستقالة، وأن استقالته ستفتح الباب على تعقيدات قد تقود إلى استقالة وزراء حزب الله وربما وزراء حركة أمل ما سيطيح بالحكومة. فانتهى الاتصال بنصيحة من نولاند لميقاتي بـ«الاستعانة بصديق»، هو البطريرك الماروني بشارة الراعي، علّ الأخير يقنع قرداحي أو فرنجية اللذين دعاهما إلى زيارته.
استجاب البطريرك وأبدى حماسة للتدخل لمعالجة الأمر، على رغم كلام قيل له بأن لا مصلحة لبكركي بذلك، خصوصاً بعد تدخله لمعالجة ذيول كمين الطيونة. لكنه اعتبر أن الموضوع السعودي حساس وهو الذي تربطه بالرياض علاقة وثيقة. لذلك، طلب من فرنجية زيارته برفقة الوزير قرداحي. لكن فرنجية قرر التوجه بمفرده، وكان شديد الوضوح في القول للبطريرك بأن ما يجري ليس سوى عملية إذلال وابتزاز لن يقبل الوقوع تحتها مهما حصل. وهو لا يرى موجباً لاستقالة وزير أدلى بموقف قبل توليه منصبه، ويعبّر عن موقف سياسي مثل أي شخص في العالم. وأبلغه بأنه شخصياً لن يطلب من قرداحي الاستقالة. ولفت فرنجية انتباهَ الراعي إلى أن هذه الطريقة في التعامل لا تعكس احتراماً للبنان، وأنه لا يجوز للبنانيين الوقوع تحت ضغط هذا النوع من الابتزاز. في وقت لاحق، زار قرداحي الراعي الذي حثّه على الاستقالة مع تعمّد تسريب الطلب، فأعاد وزير الإعلام شرح موقفه، وقال إنه مستعد لأي خطوة ضمن سياق عام، لكن العلاج لا يتم على هذا النحو.
أعطت الرياض «مهلة غير مفتوحة لمعالجة الوضع» لا تتعدى يومين
وكان فرنجية قد تشاور مع حلفائه، وسمع كلاماً واضحاً من قيادة حزب الله بأنه لا يحبذ تقديم قرداحي استقالته من الحكومة. وقال مرجع سياسي إن ميقاتي لم يهدد بإقالة وزير الإعلام لأنه تبلغ أنه في حال لم يكن موافقاً على معالجة مختلفة، فليستقل هو من الحكومة إذا وجد نفسه غير قادر على الاستمرار في مهمته أو لم يكن قادراً على تحمل الضغوط السعودية.
ميقاتي أجرى أيضاً مشاورات مع الرئيس نبيه بري الذي ينسق مع قيادة حزب الله ورئيس تيار المردة. وفهم رئيس الحكومة أن الثنائي الشيعي لا يمانع أي حل، ولكن ليس من زاوية الخضوع للابتزاز السعودي. بينما سارع فرنجية إلى إبلاغ الرئيس ميقاتي بأنه في حال إقالة أو استقالة قرداحي فهو لن يعيّن بديلاً عنه، وهو ما عدّه ميقاتي موقفاً عالي السقف. في هذه الأثناء، تبين أن كل ما فعله الأميركيون هو الطلب من الكويت تجميد قرارها سحب سفيرها بانتظار نتائج لقاء الراعي مع فرنجية. وبعد إعلان الأخير موقفه صدر القرار الكويتي بسحب السفير.
عدم الإقالة أو الاستقالة زاد من غضب السعودية التي بقيت مصرّة على موقفها، وزاد من هذا الغضب تسمية حكومة صنعاء شارعاً في العاصمة اليمنية باسم قرداحي، ورفع صور له. لذلك، أعطت الرياض، بحسب مصادر، «مهلة غير مفتوحة لمعالجة الوضع» لا تتعدى يومين، قبل اتخاذ قرار قطع العلاقات مع لبنان وسحب السفراء. فيما فُهم أن إقالة قرداحي أو استقالته تعيد العلاقة إلى مرحلة ما قبل كلامه، أي أن الرياض باقية على موقفها من الحكومة وعدم تقديم أي مساعدة للبنان. والإقالة أو الاستقالة تعني فقط وقف الإجراءات الديبلوماسية الأخيرة وعدم قطع العلاقات. وبحسب المصادر فإن الرياض، في وجه رفض الاستقالة، بدأت بوضوح «إجراءات الطلاق» مع الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها، وهي تنوي رفع مستوى الحصار من خلال فرض عقوبات على كيانات وشخصيات لبنانية بتهمة العمل ضد مصالحها أو دعم الإرهاب في الجزيرة العربية. وستقفل الأبواب أمام أي نوع من الدعم للبنان. وذهبت مصادر معنيّة إلى أن السعودية قد تطلب من القوى الحليفة لها في لبنان، أو تلك التي تمون عليها، مثل القوات اللبنانية وتيار المستقبل، الاستقالة من المجلس النيابي وتعطيل المجلس لا الحكومة حصراً.
حلفاء السعودية في لبنان يراهنون على موقف ما من رئيس الجمهورية ميشال عون ومن الرئيس ميقاتي. يلفت هؤلاء إلى أن الأول سبق أن تخلى عن وزير الخارجية شربل وهبه ولا يمكن أن يتحمل في نهاية عهده قطع العلاقات الخليجية مع لبنان، وأن للنائب جبران باسيل مصلحة بتسجيل موقف مراع للسعودية في وجه فرنجية. أما ميقاتي فلن يكون قادراً على الاستمرار في حكومة في وجه السعودية بعدما كان يراهن على أن تكون حكومته حكومة انفتاح عليها.
مشاركة الوزير خليل في خلية الأزمة تمت من دون موافقة الثنائي الشيعي
رغم ذلك، أبلغ رئيس الحكومة وزراء بارزين وجهات سياسية وسفراء أجانب أنه لا ينوي الاستقالة، وسيسعى خلال مشاركته في قمة المناخ إلى إجراء الاتصالات الهادفة إلى فتح حوار مع السعودية. وبعد تشكيل خلية الأزمة التي ضمت كالعادة وزراء يمثلون جميع الطوائف في الحكومة، علماً أن مشاركة الوزير يوسف خليل تمت من دون موافقة الثنائي الشيعي، وعقد الاجتماع في مكتب وزير الخارجية، ليصار بعدها إلى دعوة نائب السفيرة الأميركية، ريتشارد مايكلز، للمشاركة في الاجتماع (لم يستنكر أحد حضور مسؤول أميركي اجتماعاً رسمياً لبنانياً). وبدا الموقف الأميركي أكثر استياء مما ظهر علناً. وخلافاً لما أشيع، لم يتحدث الديبلوماسي الأميركي عن شروط سعودية في ما خص الموقوفين في ملف تهريب المخدرات أو أي ملفات عالقة بين لبنان والسعودية، بل ركّز على أن مدخل الحل يكون باستقالة قرداحي. وفهم أن هناك خلافاً داخل خلية الأزمة على كيفية مقاربة الأزمة: بين من يُريد الاعتذار للسعودية واستقالة قرداحي، ومن يطلب ربط الاستقالة - إذا كان لا بُدّ منها - بمقابل يحصل عليه لبنان. «فما جرى لا يتعلّق فقط بكلام قرداحي، والدليل على ذلك بيان السعودية التي اشتكت مثلاً من عدم تنفيذ لبنان لوثيقة التعاون القضائي الدولية، علماً أنّ لبنان لم يوقّع عليها أصلاً. كما اشتكت من عدم التعاون في مكافحة تهريب المخدرات، علماً أنّ وزير الداخلية الأسبق محمد فهمي قدّم لهم تقريراً عن كل مراحل التعاون». كذلك يسود أجواء الخارجية امتعاض من تصريح السفير اللبناني لدى السعودية فوزي كبارة الذي تحدّث عن إمكانية عودة العلاقات إلى طبيعتها «في حال نفّذ لبنان ما هو مطلوب منه»، فبدا كأنّه متحدّث باسم السعودية وليس لبنان، وتحدّث خلافاً لموقف الدولة الرسمي.
مع ذلك فإن ميقاتي لا يزال يعوّل على لقاء يعقده مع وزير الخارجية الأميركي على هامش قمة المناخ المقررة في غلاسكو، من أجل تحصين حكومته في وجه رد الفعل السعودي. لكنه أُبلغ ظهر أمس، من قبِل الأميركيين، أن لا لقاء مع بلينكن، ما اعتبره أول رسالة سلبية أميركية. فعاد ليتصل بالفرنسيين الذين يقولون إنهم رتبوا اجتماعاً له مع ماكرون. ويفترض بالأخير إجراء الاتصالات لترتيب لقاءات لميقاتي مع مسؤولين أميركيين. ويشيع ميقاتي في أوساطه أنه لا يرى داعياً لبقاء الحكومة في حالة كانت تحت حصار عربي وغربي وغير قادرة على القيام بأي إصلاحات. علماً أنه يعرف أن سبب الحرص الغربي على بقاء الحكومة يتعلق بالانتخابات النيابية المقبلة التي يتوقع الغرب أن يحقق حلفاؤه فوزاً كبيراً فيها.
إلى ذلك، تبيّن أن استقالة قرداحي كانت عنواناً لنقاش موسع حول ما تقوم به السعودية في لبنان، وأن في لبنان قوى بارزة لن تقبل مقايضة استقالة وزير بعودة السفير وليد البخاري إلى بيروت، وأن الأخير بات شخصاً غير مرغوب به من قبل غالبية الشعب اللبناني، وهو محل تندّر جميع من يلتقونه، لا سيما حلفائه من الإعلاميين والسياسيين. كما أن تقارير وزارة الخارجية السعودية تصف جهده في لبنان بأنه «غير ذي جدوى».
السعودية: المسألة تتجاوز قرداحي
علمت «الأخبار» من مصادر واسعة الاطلاع أن قرار السعودية قطع العلاقات مع لبنان متخذ منذ أسابيع، وأن التوقيت لم يكن يحتاج سوى إلى ذريعة تم استخراجها من تصريح لوزير الإعلام جورج قرداحي أدلى به قبل تأليف الحكومة بوقت طويل. لكن الأمر بالنسبة للسعوديين احتاج إلى هذه الذريعة نتيجة رفض الولايات المتحدة وفرنسا ودول خليجية قرار محاصرة لبنان وإخضاعه لعقوبات واسعة.
وذكرت المصادر أن الجانب السعودي أبلغ جهات دولية وعربية أن مشكلته تنطلق من الدور «العملاني والكبير» الذي يقوم به حزب الله في اليمن، وأن الرياض في حال إحباط نتيجة رفض الجانب الإيراني التجاوب مع طلبها التدخل لدى الحوثيين للقبول بوقف لإطلاق النار، ثم زاد الإحباط عندما طرح السعوديون مسألة «خبراء حزب الله في اليمن» وجاءهم الجواب الإيراني: اذهبوا إلى بيروت وابحثوا الأمر هناك!
وكان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أعلن صراحة في مقابلة مع شبكة «سي أن بي سي» الأميركية، بأن سبب الوضع الحالي بين السعودية ولبنان «أوسع من مجرّد تعليقات وزير واحد»، وأن المشكلة هي في «واقع أن المشهد السياسي في لبنان لا يزال يُهيمن عليه حزب الله». ورفض أن يُسمّي ما يجري حالياً بين البلدين بـ«الأزمة»، معلناً أن السعودية تعتقد أن التعامل مع لبنان في هذه المرحلة «غير مثمر أو مفيد» بالنسبة لها، وليس من مصلحتها.
الوزير السعودي كرّر موقفه في حديث إلى وكالة «رويترز» بالقول: «القضية أوسع بكثير من الوضع الحالي... المهم أن تُصيغ الحكومة في لبنان، أو المؤسسة اللبنانية، مساراً للمُضي قدماً بما يحرّر لبنان من الهيكل السياسي الحالي، الذي يُعزّز هيمنة حزب الله».
ميقاتي: اللهم إني قد بلّغت
في مجموعة «واتساب» التي تضم وزراء الحكومة، وصلت رسالة مساء أمس من الرئيس نجيب ميقاتي كتب فيها: «أعزائي جميعًا، الله وحده يعلم مدى سعادتي بهذه المجموعة المميزة، ويزداد سروري بجديتكم بالعمل والمثابرة من أجل انجاح مسيرتنا. ولا أخفي عليكم انني كنت ناشدت سابقًا معالي الوزير قرداحي بأن يغلّب حسه الوطني على اي أمر آخر، ولكن هذا لم يُترجم واقعياً، وعليه نحن أمام منزلق كبير. واذا لم نتدارك حل هذه الازمة سريعًا، نكون وقعنا في ما لا يريده احد منا. اللهم اشهد إني قد بلغت…».
"البناء": الأزمة مع السعودية مفتوحة… والحكومة باقية رغم تراكم الأزمات… وقرداحي باق
يقول مرجع نيابي إن ما نشهده منذ سنتين كان ينبئ ببلوغنا هذه اللحظة، التي يجري خلالها رفع مستوى الأزمة من إطارها الداخلي ونقلها إلى المستوى الإقليمي، ولأن حزب الله بذاته صار لاعباً إقليمياً كان لا بد للسعودية أن تحضر مقابله مباشرة، خصوصاً بعدما استنفدت محاولات خلق مكافئ لبناني بوجهه، خصوصاً اليأس من تجربة الضغط على الرئيس سعد الحريري لتشكيل رأس حربة المواجهة مع حزب الله، على قاعدة العزل السياسي والفيتو على مبدأ الشراكة الحكومية، وصولاً لمحاولة فرض الخروج من التسوية الرئاسية التي صاغها الحريري مع الرئيس ميشال عون، وجاءت النتائج المخيبة للرهان على ما تستطيعه القوات اللبنانية في ضوء نتائج مجزرة الطيونة، واستنجاد القوات بالسعودية للخروج من مأزق المساءلة القضائية، وإثارة مظلوميتها كقضية بديلة لقضية دعم مسار القاضي بيطار كعنوان تصادم مع حزب الله، وبدلاً من وعودها بالمجاهرة بقوتها العسكرية واستعدادها لخوض المواجهة المسلحة، تبنت خطاباً تراجعياً يخالف ما توقعته السعودية التي بنت أحلاماً على دور عسكري علني للقوات بوجه الحزب، فحضرت السعودية على طرف الأزمة المقابل لحزب الله، في ربط نزاع سيستمر لحين توافر شروط تسوية كبرى في المنطقة، يرجح المرجع أن الرغبة السعودية هي بإعادة لبنان إلى ما كان عليه عشية اتفاق الطائف قبلها، وإغراقه في الفوضى والفراغ حتى تصبح التسوية شرطاً لإعادة تكوين المؤسسات برعاية سعودية مباشرة للطرف المقابل لحزب الله.
يقول المرجع إن الموقف الأميركي هذه المرة لا يبدو شبيهاً بالموقف الأميركي عشية اتفاق الطائف الذي تزامن مع اندفاعة أميركية في المنطقة ترجمتها حرب الخليج وجسدها مؤتمر مدريد، بينما تتزامن الهجمة السعودية مع انكفاء أميركي من المنطقة من جهة، وخشية من انفلات المواجهة مع حزب الله بصورة تهدد الاستقرار الإقليمي، وخصوصاً الاستقرار على جبهات المواجهة مع كيان الاحتلال، ويفسر المرجع النيابي كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد لقائه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، بعدم الاستعداد للدخول على خط الخلاف اللبناني- السعودي، وبتمسك واشنطن ببقاء الحكومة والحفاظ على الاستقرار في لبنان، بأنه إفساح مجال أمام الرياض لخوض معركتها تحت هذين السقفين.
الكلام السعودي عن توصيف الأزمة بصفتها أزمة وجود حزب الله ودوره وما وصفه وزير الخارجية السعودي بهيمنة حزب الله على الدولة، دفع بقضية وزير الإعلام جورج قرداحي إلى الخلف بعد التداول بفرضية استقالته ليومين كمخرج من الأزمة، علماً أن قرداحي لم يعد أحداً بالاستقالة، خصوصاً بعدما تلقى دعماً واضحاً من الوزير السابق سليمان فرنجية ومن حزب الله، ومع تراجع فرضية استقالة الحكومة بعد المواقف الأميركية والفرنسية الداعمة لبقائها، زال عامل الضغط الوحيد الذي كان يمكن أن يدفع بقرداحي للاستقالة، وفقاً لقول فرنجية، لا نريد أن تسقط الحكومة لأن لبنان يحتاج بقاء الحكومة، ولن تتشكل حكومة بدلاً منها إذا استقالت، فصارت المعادلة، أزمة مفتوحة، وبقاء كل من الحكومة والوزير قرداحي، ووضع حزب الله معادلتين بصفته الطرف المستهدف، الأولى أمام تمسك الأميركي بالحكومة تمسك الحزب بقرداحي، وأمام المطالبة الداخلية والخارجية بإقالة قرداحي وضع مستقبل الحكومة موازياً لمستقبل قرداحي، والثانية الرد على كلام وزير الخارجية السعودي عن هيمنة حزب الله على الدولة بكلام رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله السيد هاشم صفي الدين، بقوله، لو كان هذا صحيحاً وكان لنا القرار في لبنان لما تجرأ أحد على لبنان، «واللي بيتطلع فينا بعين منقبعلو العينتين».
ولم تنجح الاتصالات التي تكثفت على الخطوط المحلية والدولية خلال عطلة نهاية الأسبوع في احتواء عاصفة الأزمة الديبلوماسية التي افتعلتها السعودية مع لبنان والمواقف العالية السقف التي تخللتها، وأوحت بنذر قرار حرب سياسية اقتصادية دبلوماسية تشنها السعودية على لبنان لتحقيق جملة أهداف وللهروب من المأزق الذي تواجهه في اليمن وساحات أخرى في المنطقة، بموازاة مواجهة عنيفة ومفتوحة تكشفت إلى العلن بشكلٍ غير مسبوق بين حزب الله والسعودية التي أخفقت حتى الساعة بأساليبها وضغوطها وتهديداتها في تحقيق مآربها بإجبار وزير الإعلام جورج قرداحي على الاستقالة ولا حتى الاعتذار في ظل تأكيده أمس بأنّ الاستقالة غير واردة عنده، كما فشلت المملكة في دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى الاستقالة تحت وطأة الضغوط والمقاطعة الدبلوماسية، وذلك بعدما أجرى ميقاتي سلسلة اتصالات مع واشنطن وباريس نصحته بعدم الاستقالة.
وبعد مداولات ومشاورات بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والرئيس ميقاتي والبطريرك الماروني مار بشارة الراعي، حسم قرداحي أن استقالته من الحكومة غير واردة. ولفتت معلومات «البناء» إلى أن استقالة قرداحي باتت وراءنا ولا أحد مقتنع بها من المرجعيات الرئاسية، كما أن موقف حزب الله متصلب برفض هذا المخرج، وأبلغ المعنيين بأنه في حال استقال سيسحب وزراءه من الحكومة ولذلك لن يستقيل قرداحي لئلا تسقط الحكومة. كما أكدت المعلومات بأن استقالة الحكومة غير واردة في هذا الظرف الصعب التي تعيشه البلاد، وهذا ما تؤكد عليه عواصم قوى غربية فاعلة في لبنان كواشنطن وباريس اللتين أكدتا بأن بقاء الحكومة أمر أساسي لاستقرار لبنان.
وكان ميقاتي طلب من قرداحي «تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية». فيما طلب الراعي من قرداحي خلال زيارته له في بكركي الاستقالة، كما كشف رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بعد لقائه الراعي أن «وزير الاعلام عرض علي الاستقالة من بعبدا أو من بكركي، إلا أنني رفضت، فهو لم يرتكب أي خطأ… لا نقبل بالتعاطي بدونية مع أي جهة كانت». فيما أفادت معلومات أخرى أن «البطريرك الراعي طالب قرداحي بالاستقالة والأخير لم يعلّق لا سلباً ولا إيجاباً».
وكشفت مصادر «البناء» أن «ميقاتي أجرى سلسلة اتصالات خلال 48 ساعة الماضية بعدد من المسؤولين الأميركيين والخليجيين في محاولة لاحتواء الموقف الخليجي المستجد، وكذلك تواصل مع «قصر الإليزيه» للاستفسار عن حقيقة الموقف الأميركي والغربي والأوروبي عموماً من حكومته، وما إذا كان هناك قرار خارجي بإسقاطها، كما استفسر عن تعامله إزاء هذا الموقف، فطلب الفرنسيون منه الانتظار لإجراء مروحة اتصالات مع واشنطن والرياض والإمارات لمحاولة تطويق ذيول الأزمة».
وكشفت مصادر أخرى أن «ميقاتي توجه من لندن إلى اسكتلندا، ليجري هناك سلسلة من اللقاءات الدولية والعربية، اليوم وغداً تتعلق بالأزمة اللبنانية مع دول الخليج، على هامش قمة المناخ». ولفتت إلى أن «لقاءات ميقاتي في اسكتلندا، ستبحث في سبل دعم لبنان للنهوض من أزماته، وستكون له كلمة في قمة المناخ، التي يشارك فيها أيضاً وزير البيئة ناصر ياسين».
وكان وزير الخارجية والمغتربين، عبدالله بوحبيب، بحث في اتصال هاتفي، مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، كافة الجهود المبذولة لاحتواء التصعيد، والتخفيف من حدة الأزمة الراهنة، ومشدداً على أهمية التواصل والتلاقي، مع كافة الأشقاء الخليجيين والعرب، وحرص لبنان على أطيب العلاقات معهم، بما يخدم مصلحة الجميع.
وفيما لم تستجب دول خليجية عدة للتجييش السعودي بقطع العلاقات مع لبنان، لا سيما قطر وعمان، توقفت مصادر سياسية عند موقف الجامعة العربية التي لم تجارِ الرياض بمستوى موقفها كما كانت تشتهي، بل جاء موقف الجامعة معتدلاً، فمن جهة طالبت لبنان بالعمل على معالجة الأزمة، ومن جهة ثانية دعت دول الخليج لإعادة النظر بإجراءاتها. فيما دعت وزارة الخارجية الإماراتية المواطنين المتواجدين في لبنان بضرورة العودة في أقرب وقت.
ورحّبت وزارة الخارجية والمغتربين، في بيان، بـ»البيان الصادر عن وزارة الخارجية العمانية، الذي أعربت فيه عن أسفها العميق لتأزّم العلاقات بين عدد من الدول العربية والجمهورية اللبنانية ودعت الجميع إلى «ضبط النفس والعمل على تجنّب التصعيد ومعالجة الخلافات عبر الحوار والتفاهم، بما يحفظ للدول وشعوبها الشقيقة مصالحها العليا في الأمن والاستقرار والتعاون القائم على الاحترام المتبادل وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة»، وأكّدت «حرص لبنان الشديد على أفضل العلاقات مع إخوانه الخليجيّين والعرب».
وفيما علمت «البناء» أنه تم التداول بمخرج مساء السبت الماضي بين عون وميقاتي والراعي بالطلب من قرداحي الاستقالة من تلقاء نفسه حفاظاً على المصلحة الوطنية ولتهدئة الغضب الخليجي، لفتت مصادر «البناء» إلى أن هذا الحل سقط كون قرداحي لم يرتكب أي خطأ وتصريحه سبق توزيره فكيف يمكن أن تتحمل الحكومة المسؤولية؟ ما دفع بالمرجعيات الرئاسية إلى إبلاغ المعنيين بعدم قدرة لبنان والحكومة التجاوب مع المطالب السعودية، كما جرى نقاش عن جدوى استقالة قرداحي وما إذا كانت ستستوعب الغضب السعودي أو ستفك حصارها عن لبنان وتساهم في مؤتمرات الدعم المالي، فطالما لم تستطع أي دولة تقديم ضمانات بهذا الصدد وطالما أن السعودية تقاطع الحكومة منذ تشكيلها وتحاصر لبنان منذ عام 2019 على الأقل، فباتت الاستقالة بلا جدوى وخطوة عبثية مهينة لأنها ستخسر لبنان كرامته وسيادته ولن تعيد له «العطف والدعم» الخليجيين. إلى جانب أن استقالة قرداحي لن تعيد الحكومة إلى الاجتماع بظل عدم التوصل إلى حل لأزمة تنحي القاضي طارق البيطار بقضية المرفأ حتى الساعة ولا بقضية أحداث الطيونة الدموية»، لا سيما أن مطلب السعودية هو اعتذار القرداحي وإقالته، كما أن لا يمكن للسعودية تكرار ما فعلته في فرض إقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبي في موضوع قرداحي، كون هناك فرق بين الحالتين: فالأول أخطأ بحق الشعب السعودي وخلال منصبه الوزاري، أما قرداحي فعبر عن موقفه السياسي فقط من دون أي ذم أو إهانة وقبل تعيينه وزيراً. لذلك أشار أكثر من مصدر وزاري إلى أن «الحكومة لن تستقيل ولن يستقيل أحد من أعضائها ولا حتى وزراء تيار المستقبل». فيما علمت «البناء» أن السعودية لن تتراجع عن هذه المطالب وإلا ستكثف ضغوطها على لبنان وستحث دول خليجية وعربية أخرى على حذو حذوها».
في غضون ذلك، دخلت الدبلوماسية الأميركية على خط امتصاص الأزمة التي افتعلتها السعودية، وأعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تصريح له عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن اجتماع جمعه بنظيره السعودي فيصل بن فرحان، بحثا خلاله الأوضاع في لبنان.
ولم يجارِ الموقف الأميركي الموقف السعودي، بل أكد على العلاقة الجيدة مع لبنان، ما يشير بحسب المراقبين إلى أن السعودية تفردت بالخطوات التصعيدية وجاءت نتيجة مواقف وحسابات سياسية وشخصية للنظام السعودي، وهذا ما ظهر بوضوح بتصريح الناطق الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، سامويل وربيرغ، الذي أوضح أن «بلاده ليس لديها موقف معين من الأزمة الدبلوماسية والسياسية بين لبنان والسعودية»، مشدداً على «أننا لا نريد الدخول في الصراع القائم بين البلدين، لأن لدينا علاقات مع لبنان ومع الشعب اللبناني منذ سنوات، كما لدينا علاقات مع الدول الخليجية». وأوضح في حديث تلفزيوني، أن «أميركا ترى أن الوقت الآن هو لدعم الحكومة اللبنانية وتشجيع الاستقرار».
وكشفت مواقف المسؤولين السعوديين بعرضهم أسباب خطواتهم ضد لبنان، بأن القضية ليست موقف قرداحي ولا تهريب مخدرات إلى المملكة، بقدر ما هي تخفي أهدافاً مبيته لتحقيق غايات خاصة على حساب لبنان، وإلا لأمكن معالجة تصريح الوزير بالطرق الدبلوماسية المتبعة عادة بين الدول فكيف إذا كان بين دولتين عربيتين شقيقتين، وهل يستأهل الأمر كل هذا التهديد والعقاب للدولة والشعب في لبنان؟ وأقر وزير الخارجية السعودي بأن الإشكالية في لبنان أكبر من تصريح وزير، وإنما تكمن في سيطرة وكلاء إيران. ورأى في حديث إلى قناة «العربية» أن «لبنان يحتاج إلى إصلاح بسبب سيطرة حزب الله على مفاصل القرار». ولفت إلى أن هيمنة حزب الله على النظام السياسي في لبنان تقلقنا وتجعل التعامل مع لبنان غير ذي جدوى للسعودية ودول الخليج، وعلى قادة لبنان إيجاد مخرج لإعادة لبنان إلى مكانته في العالم العربي وهذا الموضوع متاح».
"الجمهورية": قرار اميركي ـ فرنسي بإستمرار الحكومة
تتسارع الاتصالات في مختلف الاتجاهات وعلى كل المستويات المحلية والاقليمية والدولية لاحتواء الأزمة الناشئة بين لبنان والمملكة العربية السعودية، على خلفية مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي، كان أعلنها قبل توزيره بأسابيع، وتركّز هذه المساعي والاتصالات على ايجاد حل يشكّل مخرجاً يرضي الجميع، فيما تقوم الولايات المتحدة الاميركية بوساطة في العمق لإنهاء هذه الأزمة، كان من عناوينها لقاء وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن مع نظيره السعودي الامير فيصل بن فرحان، على هامش قمة المناخ في غلاسكو، وتواكبها اتصالات غير مباشرة لبعض المسؤولين مع الرياض. ورشح انّ بعض الجهات المعنية ترغب في أن يقدّم قرداحي استقالته كمخرج من شأنه ان يجنّب استقالة الحكومة برمتها، خصوصاً انّ المسؤولين اللبنانيين تلقّوا بعض الإشارات من دول ومؤسسات دولية مالية وغير مالية، تدل الى انّها تعيد النظر في التعهدات التي قطعتها للتعاون مع الحكومة.
لكن هذه الاتصالات والمساعي لم تثمر نتائج عملية بعد، في ظلّ معلومات تشير الى انّ الساعات المقبلة ستحمل معطيات تراوح بين الإيجابية والسلبية، علماً أنّ قرداحي الذي يتلقّى تمنيات من بعض المراجع في الداخل ومن جهات في الخارج، تدعوه الى تقدير الموقف، اكّد تمسّكه بموقفه الرافض للاستقالة، لاقتناعه بأنّه لم يخرج عن سياسة الحكومة المتمسكة بتعزيز علاقات لبنان مع اشقائه العرب، وانّ ما عبّر عنه قبل توزيره إنما كان موقفاً شخصياً، لا يلزم الحكومة بعدما صار وزيراً فيها، في الوقت الذي اكّدت الرياض انّ موقفها يتجاوز مواقف قرداحي الى ما تسمّيه «هيمنة عملاء ايران على لبنان» وهي تعني بذلك «حزب الله» وحلفاءه.
وفي هذا الخضم، ينشط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من اسكوتلندا بلقاءات على هامش قمة غلاسكو للمناخ، وباتصالات مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ومع جهات عربية ودولية، محاولاً تدوير الزوايا لإيجاد حل ينقذ حكومته، التي ما زالت طريّة العود، من السقوط، الذي في حال حصوله قد يكون له انعكاسات مدمّرة على لبنان الغارق في انهيار مالي واقتصادي ومعيشي يحتاج معه الى دعم عربي ودولي كبير للخروج منه. وعلمت «الجمهورية»، انّ ميقاتي مصرّ على استقالة قرداحي لانّها تسحب الذريعة السعودية وتشكّل مفتاحاً للحل.
استبعدت مصادر مطلعة ان تتمّ قريباً معالجة الازمة بين دول الخليج ولبنان، لافتة إلى أنّه بات ثابتاً انّ الموقف الحاد للسعودية وبعض العواصم الخليجية يتجاوز في جوهره حدود الاعتراض على تصريحات قرداحي.
ووقالت هذه المصادر لـ»الجمهورية»، انّ المواقف التي أدلى بها قرداحي «كانت الشرارة التي أشعلت برميل البارود، ولكن البرميل ممتلئ أصلاً بالمواد المتفجرة، وكان يكفي ان يُرمى فيه اي ثقاب حتى ينفجر». ولفتت إلى «انّ استقالة قرداحي من عدمها أصبحت مجرد تفصيل في هذه الأزمة التي تمتد خيوطها حتى مأرب في اليمن»، كاشفة انّ «ليست هناك أي ضمانات بأنّ الرياض والدول المتضامنة معها ستتراجع عن إجراءاتها التصعيدية الأخيرة اذا استقال قرداحي».
واشارت المصادر إلى «أنّ هناك انطباعاً لدى بعض المراجع الرسمية بأنّ المستهدف مما يجري ليس إقصاء وزير الإعلام فقط بل الحكومة برمتها، لكن في المقابل يوجد قرار أميركي ـ فرنسي باستمرار الحكومة، الأمر الذي من شأنه منحها إكسير البقاء وإيجاد توازن دولي يحميها حتى إشعار آخر، في انتظار مرور العاصفة».
دعم اوروبي واميركي
وكانت مراجع ديبلوماسية وسياسية مطلعة اكّدت لـ «الجمهورية» انّ الولايات المتحدة الاميركية وقادة الاتحاد الاوروبي «على اتصال مع المسؤولين اللبنانيين لمنع انهيار الحكومة». ولفتت المصادر الى انّ ليس هناك اي «مؤشرات الى الآن عن استقالة الحكومة او اي من الوزراء»، وهي اشارة اكّدت حجم الضغوط التي بُذلت لمنع ميقاتي من الاستقالة، وكذلك بالنسبة الى بعض الوزراء الذين كانوا قد اعدّوا كتب الاستقالة ما لم يُقدم ميقاتي عليها.
وانتهت المراجع الى التأكيد، «انّ استقالة الحكومة قبل ان تقوم بأي مهمة مطلوبة منها تعدّ امراً سلبياً جداً، وتعطي مؤشرات خطيرة تجاه مجموعة الاستحقاقات المطلوبة منها. لكن هل هي قادرة على القيام بأي من هذه المهمات في ظل قدرة بعض الأطراف على تجميد عملها وشلّها الى الدرجة التي تسبب بها وزراء ثنائي حركة «أمل» و»حزب الله».
مصير الحكومة
الى ذلك، قالت مصادر مواكبة للاتصالات، انّ الأزمة المستجدة بين الدول الخليجية والحكومة تستأثر بكل المواقف والمتابعات السياسية «لأنّ عليها يتوقف ليس فقط مصير الحكومة، إنما مصير البلد في حال اتخذت الدول الخليجية قراراً بسحب السفراء نهائياً وقطع العلاقات مع لبنان، ما يؤدي إلى عزله عن محيطه للمرة الأولى في تاريخه ودخوله في منعطف خطير جداً. ولذلك ثكثر الدعوات السياسية والروحية الى معالجة هذه الأزمة سريعاً، بغية تجميد الإجراءات المتخذة والعودة إلى ما قبل نشوئها، لأنّه خلاف ذلك يعني مضي الدول الخليجية في خطواتها ويصبح متعذراً العودة إلى الوراء، ويدخل لبنان في وضع جديد من عزلة غير مسبوقة، فضلاً عن تداعياتها الخطيرة على بلد يعيش أساساً في أزمة مالية واقتصادية خانقة، معلوم انّ خروجه منها غير ممكن من دون مساعدة خارجية وتحديداً خليجية».
ولفتت المصادر الى «المحاولات التي أجرتها واشنطن وباريس تحديداً قبل تأليف الحكومة وبعدها، لاقناع الدول الخليجية بتبديل مواقفها والانتقال من النأي بالنفس إلى توفير مستلزمات الدعم للحكومة. ولكن الموقف الخليجي ربط اي مساعدة محتملة بأداء الحكومة ومواقفها وممارستها، في اعتبار انّ زمن الدعم المجاني على طريق «الشيك على بياض» ولّى إلى غير رجعة، وبالتالي الحكومة كانت تحت مجهر الاختبار، فإذا برهنت عن تبدُّل في السياسة الخارجية تكون نجحت في إعادة تفعيل العلاقة مع دول الخليج، وفي حال فشلت بذلك تبقى الأمور في الحدود التي كانت عليه، لأنّ الخليج ليس على استعداد لمساعدة دولة تستهدفه في أكثر من جانب، بدءاً من السياسة، مروراً بالمخدرات، وصولاً إلى الأمن والخلايا الأمنية.
ولكن ما لم يكن في الحسبان إطلاقاً يكمن في تطوّر الأمور بهذا الشكل والسرعة على أثر بث المقابلة التي كان أجراها قرداحي قبل تأليف الحكومة، ما يعني انّ الدول الخليجية لم تعد تتحمّل حتى موقفاً من هذا النوع، بعد ان طفح الكيل معها من لبنان، ولم تعد في وارد المسامحة ولا غض النظر، فإما لبنان دولة صديقة وتعمل بموجبات هذه الصداقة، وإما دولة عدوة وجب التعامل معها على هذا الأساس بقطع العلاقات الديبلوماسية».
معالجة الذيول
واضافت المصادر، انّ «حتى لو جمّدت الدول الخليجية خطواتها، فإنّ معالجة ذيول الأزمة باتت صعبة ومعقّدة، ودلّت الى عمق هذه الأزمة، ولكن الأساس يبقى في معالجة الإشكالية الأخيرة سريعاً قبل ان تتدهور الأمور أكثر فأكثر، لأنّ المصلحة اللبنانية العليا تستدعي إقفال هذا الملف وحفاظ لبنان على علاقاته مع الدول الخليجية التي تشكّل المتنفّس الأساسي له، فهو يتنفس اقتصادياً من الرئة الخليجية، إن لجهة الدعم والمساعدات الخليجية، أو لناحية الجالية اللبنانية الواسعة العاملة في هذه الدول. وفي حال تطورت الأمور سلباً فإنّ انعكاسات هذه الأزمة ستتجاوز التردّي المالي على مساوئه وخطورته، إلى التأثير على سائر الاستحقاقات بدءاً من الاستقرار السياسي مع الحكومة المعطّلة بسبب أزمة انفجار المرفأ، وصولاً إلى الانتخابات النيابية واحتمالات تطييرها».
بعبدا تواكب
وكانت الإتصالات الجارية لتطويق الأزمة احتلت اولوية اهتمام رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي بقي على تواصل مستمر مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الموجود في لندن، قبل ان يتوجّه مساء امس الى غلاسكو في اسكتلندا لحضور قمة المناخ. وقالت مصادر مطلعة لـ «الجمهورية»، انّ عون تشاور وميقاتي في نتيجة الاتصالات التي أجراها مع الفرنسيين والأميركيين منذ اندلاع الازمة، وبقي على تواصل مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورئيس خلية الأزمة الوزارية وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وقرداحي، للوقوف على آخر المواقف مما يجري، ولمتابعة المقترحات المتبادلة وتطورات الوساطة الاميركية والتحرّكات الفرنسية. وأضافت المصادر، انّ عون «اكّد مرة اخرى تمسّك لبنان بأفضل العلاقات مع السعودية ودول الخليج وضرورة معالجة التطورات الاخيرة بالحوار ومن خلال مؤسسات الدولتين».
ميقاتي وماكرون
ولفتت المصادر، الى انّ ميقاتي سيلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قبل ظهر اليوم في غلاسكو، فيما قطعت الاتصالات شوطاً بعيداً لترتيب لقاء بينه وبين وزير الخارجية الأميركية انتوني بلينكن الذي يرافق الرئيس الاميركي جو بايدن الى قمة المناخ.
وفي الوقت الذي تكثفت فيه المساعي لترتيب لقاء بين ميقاتي ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، قالت المصادر لـ «الجمهورية»، انّ دونه مصاعب وعقبات، فليس لدى ميقاتي ما يلبّي سلسلة الشروط السعودية وما قصده من تصريحاته الاخيرة.
وليلاً علمت «الجمهورية»، انّ ميقاتي سيلتقي على هامش قمة المناخ وزراء خارجية تركيا والكويت ومصر، فيما بقيت مواعيد لقاءات أخرى معلّقة الى حين الاطلاع على برنامج المؤتمر ووقائعه.