آراء وتحليلات
الهجوم الأوكراني المضاد: أين سيكون ومتى.. وهل سينجح؟
عمر معربوني | خبير عسكري - خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
منذ مدة ليست بالقصيرة، يتم الإعلان بشكل دائم عن أن الجيش الأوكراني يتحضر لشّن هجوم مضّاد بأهداف طموحة جداً، لدرجة أن بعض قادة كييف يقولون، إن الهجوم هدفه استعادة شبه جزيرة القرم، وليس فقط استعادة الأراضي التي انضمت إلى روسيا مؤخرًّا، بما في ذلك أراضي جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون .
نظرياً، يمكن للجيش الأوكراني تنفيذ هكذا هجوم، كونه يمتلك تفوقاً في أعداد المقاتلين يصل في بعض الجبهات إلى 6 جنود أوكرانيين مقابل جندي روسي واحد، وهذا الرقم يشكل ضعف ما تحتاجه أي قوة عسكرية لتنفيذ هجوم ناجح، ربطاً بالقاعدة التقليدية 3 جنود في الهجوم مقابل جندي واحد في الدفاع.
لكن المشكلة الرئيسية للقوات الأوكرانية تكمن في قلّة عدد الدبابات والعربات المدرعة، إضافة إلى افتقادها للغطاء الجوي جراء فقدان الجيش الأوكراني معظم طائراته الحربية، حيث لا يزال في الخدمة عدد قليل من الطائرات والحوامات الهجومية تكفي لتنفيذ إغارات بنمط التسلل، ولكنها غير كافية لمواكبة هجوم متكامل.
هذا بالنسبة للغطاء الجوي، أمّا بالنسبة للمدرعات فالأعداد الموجودة لدى الجيش الأوكراني، وما يُحتمل وصوله من دبابات غربية لن يتجاوز الــ 500 دبابة، وهو عدد كافٍ لتنفيذ هجوم على جبهة لا يتجاوز عرضها الـ 50 كلم، ولدعم ما معدله فرقتين إلى ثلاث فرق مشاة، وهذا إذا افترضنا أن كامل القوة المدرعة ستكون في النسق الأول، وليست موزعة على نسقين، كاحتياطي هجوم، كما تفترض القواعد العسكرية.
وانطلاقاً ممّا تنفذه القوات الأوكرانية من مناورات، أغلبها مناورات خداع على كامل خطوط الجبهة، وبعضها مناورات تضليل راديوية، من المرجّح أن تعمد القيادة الأوكرانية إلى عمليات حشد تضليلية لإخفاء خططها بما يرتبط باتجاه الهجوم الرئيسي، على غرار ما حصل قبل استعادة الجيش الأوكراني المبادئة على محاور جنوب شرق خاركوف، حيث كان التموضع الروسي ضعيفاً من جهة، وقصور روسي أيضاً في تقدير الموقف، إضافة الى المعلومات الوفيرة والدقيقة التي أمّنتها الأقمار الصناعية الأميركية والغربية، والتي لعبت دورًا بارزًا في استهداف الجيش الأوكراني لنقاط القيادة والسيطرة ونقاط التجمع الروسية بشكل جيد ودقيق، مضافاً إلى كل هذه العوامل عامل الجغرافيا المعقدة والخلل في التأمين اللوجستي للوحدات الروسية.
استناداً إلى تجارب الميدان المختلفة، من المؤكد أن القوات الأوكرانية ستكرّر نفس الأساليب التي استخدمتها قبل انسحاب الجيش الروسي من مقاطعة خاركوف ومن الضفة الغربية لنهر الدينبر في مقاطعة خيرسون.
وبالنظر إلى كل جبهة من الجبهات لوحدها يبدو الوضع على الشكل التالي:
تحاول القوات الأوكرانية على جبهة خيرسون إيهام القيادة الروسية بأنها تستعد لتنفيذ هجوم إلى الضفة الشرقية من خلال عبور القوات لنهر الدينبر وهو أمر بتقديري يبدو صعباً وغير قابل للتطبيق، لسببين:
1ـ السبب الأول، أن المنطقة الصالحة للعبور تقع بين سد نوفا كاخوفكا من الشمال، ومنطقة أنتونيفكا من الجنوب، وعرض النهر بين هاتين المنطقتين يتراوح بين 500 الــ 1200 متر، وهو عرض سيجعل الزوارق الأوكرانية مكشوفة لفترة طويلة، ما سيعرضها للتدمير بواسطة الأسلحة الروسية المختلفة، إضافة الى احتمال إطلاق كميات كبيرة من المياه، لخلق تيار مائي جارف سيؤدي إلى جرف الزوارق أو الحد من فاعليتها في الحد الأدنى.
2ـ السبب الثاني، أن الجيش الروسي يتواجد على الضفة الشرقية، وهي ترتفع عن الضفة الغربية بشكل يؤمن الاستطلاع وقدرة النار العالية، مضافاً إلى ذلك التحصينات الكبيرة التي أقامتها وحدات الهندسة الروسية، وهي كافية لمنع استكمال أي هجوم على هذا المحور.
على جبهة قوس الدونباس من سيفرسك شمالاً حتى أوغليدار جنوباً، لا تزال القوات الأوكرانية في وضعية الدفاع منذ فترة طويلة، وهي على وشك خسارة مدن أرتيوموفسك (باخموت) وأفدييفكا وأوغليدار، وهي عقد أساسية ستنقل المعركة إلى كراماتورسك وسلافيانسك، وستجبر القوات الأوكرانية على التموضع دفاعياً لمنع تقدم الجيش الروسي، وهذا يعني أن جبهة قوس الدونباس ليست الجبهة الملائمة لتنفيذ هجوم مضاد.
على جبهة كريمينيا ـــ ليمان ستبقى القوات الأوكرانية في حالة الدفاع، لمنع أي تقدم موازٍ للجيش الروسي على سلافيانسك وكراماتورسك من خلال الحفاظ على عدد ملائم من القوات لمنع تطويق سيفرسك أولاً، وتأخير اندفاع الوحدات الروسية من اتجاه سوليدار وشمال أرتيوموفسك نحو سلافيانسك وكراماتورسك ثانياً.
على هذا الأساس، يبقى أن نلفت الانتباه إلى أن الهجوم الأوكراني المضاد لا بد أن يُنظر إليه باعتباره وسيلة لتحقيق نصر معنوي، ولا يجوز مطلقًا أن ينظر إليه باعتباره نصرًا عسكريًّا، وذلك من خلال نقطتي ضعف روسية من وجهة نظر أوكرانية، وهما برأينا شبه جزيرة القرم واحتلال مدينة روسية في أراضي روسيا ما قبل العملية العسكرية الروسية، وتبدو مدينة بيلغورود الأكثر ترجيحاً في أي هجوم أوكراني، حيث يمكن أن يكون لذلك صدى سلبي على القيادة والشعب في روسيا، على الرغم من أن القوات الأوكرانية ستضطر إلى الانسحاب من المدينة، ولكن بعد إلحاق أذى عسكري ومعنوي في هيبة روسيا.
بالنسبة لشبه جزيرة القرم، على الأرجح، فإن القوات الأوكرانية يمكن أن تنفذ اندفاعة سريعة عبر خليج نهر الدنيبر، انطلاقاً من قاعدة أوتشاكوف وتنفيذ إنزال يستهدف مدينة أرميانسك، وهي مفتاح شبه جزيرة القرم من الجهة الشمالية.
هذا الاحتمال برأيي، يبدو وارداً، ولكنه صعب ومعقد ويحتاج إلى قدرات كبيرة تفتقدها القوات الأوكرانية، بيد أنه يبقى قائمًا ومحتملًا، وباعتقادي أن الجيش الروسي يأخذه بعين الاعتبار.
يبقى احتمال آخر، وهو دفع قوات كافية من اتجاه زاباروجيا نحو الجنوب لتحقيق الفصل والعزل بين الوحدات الروسية في مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون، وهو أمر يمكن أن يتم، ولكنه سيكون مكلفاً وسيتم سحقه، ما سيُكبد أوكرانيا خسائر فادحة.
ختاماً، يبقى أن نشير إلى أن نجاح أي هجوم أوكراني يجب أن يتوفر له عنصر الحشد المتكامل، وهو ما ينقص الجيش الأوكراني لتنفيذ هجوم ناجح، لا نستطيع الآن تقدير عناصر نجاحه. كذلك الأمر على جبهة زاباروجيا حيث من المستبعد أن تستطيع القوات الأوكرانية تحقيق خرق ناجح ومستدام لأن العبرة هي في تحقيق الاستدامة وليس الخرق.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024