آراء وتحليلات
الى اين تتجه الامور في النيجر؟ وهل تتغلب لغة الحوار على الانفجار العسكري ؟
شارل ابي نادر
في الوقت الذي لم يتبين فيه بعد لأي من المتابعين في افريقيا والعالم، الى اين تتجه الامور في السودان، بعد اندلاع المواجهة (الاخوية) بين الجيش ووحدات قوات الدعم السريع، حيث دخلت البلاد في ما يشبه اتون حرب اهلية، لا يبدو انها قريبة ابدا من دائرة الحل او التسوية، وحيث الفوضى القاتلة تسود في كل مناطق السودان، وتهدد في نفس الوقت الدول والمناطق المجاورة والحدودية، اطلت ازمة اخرى في ساحل افريقيا الغربي وتحديدا في النيجر، بعد انقلاب نفذه قائد الحرس الرئاسي، حيث تمت الإطاحة بالرئيس بازوم في 26 تموز/ يوليو الفائت، من قبل قوات الحرس المذكور بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني، في ثالث انقلاب في المنطقة منذ عدة سنوات بعد استيلاء عسكريين على السلطة في مالي وبوركينا فاسو المجاورتين.
حساسية الازمة في النيجر انها وبنسبة اكبر من السودان، ترتبط مباشرة بتهديد مصالح الدول الخارجية، وخاصة الفرنسية والاميركية، بسبب كونها (النيجر) مصدرا رئيسيا لمادة اليورانيوم المنتجة للطاقة الكهربائية النووية، وبسبب كونها جغرافيًّا، نقطة ربط رئيسية لاغلب دول الساحل الافريقي مع دول الشمال الساحلية على المتوسط، مع ما يعنيه ذلك من امكانية ان تكون معبرا للمجموعات الجهادية المتطرفة في كل الاتجاهات، وايضا، معبرا لموجات اللاجئين الافارقة نحو الشمال فالمتوسط فدول الاتحاد الاوروبي ، والتي بدأت تعتبر اللجوء خطرا استراتيجيا، وباشرت التعامل معه بشراسة وبعنف غير مسبوقين.
انطلاقا من مصالح الغرب واوروبا خاصة وفرنسا تحديدا، بادرت "إيكواس" للتحرك الفوري بهدف ايجاد حل للانقلاب، واعادة الحكم الشرعي المدني برئاسة بازوم المعزول، وحيث ايكواس تملك حيثية افريقية غير بسيطة، اذ انها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، وتضم تكتلا من 15 دولة هي: النيجر، نيجيريا، مالي، بوركينا فاسو، السنغال، غانا، ساحل العاج، توغو، غامبيا، غينيا، غينيا بيساو، ليبيريا، سيراليون، بنين، الرأس الأخضر، فرضت نفسها بتحركها هذا، كاولوية تسبق اي حل خارجي اخر، بما فيه العسكري.
اليوم، ومع قرب انتهاء مهلة "ايكواس" للانقلابيين باعادة مسارالسلطة الى ما كان عليه قبل الانقلاب، والا سوف يتم اتخاذ اي تدبير استثنائي بما فيه العسكري لتنفيذ ذلك بالقوة، يبدو ان النيجر ومعها دول الساحل الغربي الافريقي، على موعد مع تطورات مفصلية، لن تكون تداعياتها محصورة في هذا الشريط الساحلي الافريقي الاستراتيجي، بل سوف يمتد الى ابعد من ذلك بكثير.
فكيف يمكن ان يتطور المشهد في النيجر؟ والى يمكن اين تتجه الامور؟
في الواقع، عدة معطيات تحكم المشهد في النيجر وفي دول الساحل الغربي الافريقي بشكل عام، والتي سيكون لها تاثيرات اساسية في تظهير هذا المشهد وهي:
اولا: صحيح ان بيان "ايكواس" صدر بمسار مكتمل في الشكل وفي المضمون ، ولكن عدة دول من المجموعة غير موافقة على الحل العسكري او على القيام بعملية عسكرية لاعادة بازوم الى السلطة، وهذا الامر يشكل اول عقدة تعرقل او تمنع الحل العسكري، ومع وجود عدم التوافق هذا بين كل دول المجموعة، وخاصة مالي وبوركينا فاسو الحدوديتين مباشرة مع النيجر، وخاصة مع تصريح الاخيرتين الصريح بانهما ستقفان مع النيجر عسكريا في حال تمت مهاجمة الاخيرة، فإن العمل العسكري من "ايكواس" مستبعد، الا اذا اختارت الدول الصقور في المجموعة، مثل السنغال ونيجيريا، الانصياع لفرنسا وتفتيت المجموعة "ايكواس" والتسبب بانقسامها وشرذمتها وانهائها.
ثانيا: لناحية فرنسا كمتضررة رئيسية من الانقلاب، سياسيا، سوف تبقى تأمل بامكانية نجاح الحل السياسي، وهي تراهن في ذلك على خطوط الضغط المالي والاقتصادي التي فرضتها "ايكواس" على النيجر. وعسكريا، لا يبدو ان باريس جاهزة او مستعدة لتنفيذ عمل عسكري، مباشرة او عبر قوى اخرى بادارتها، والسبب انها خفضت مؤخرا وحداتها العاملة في منطقة الساحل الغربي الى حد كبير، بعد ان انهت فعاليات قوة برخان في مالي، وما تنشره في النيجر اليوم (حوالي 1500 عنصر) هو غير كاف من الناحية العملاتية، لتنفيذ عملية عسكرية في بيئة اصبحت معادية لها، وفي منطقة جغرافية صعبة، تحتاج لوحدات ضخمة لتنفيذ اي عملية تدخل ناجحة، بمواجهة وحدات عسكرية نيجيرية، يبدو انها متماسكة وغير منقسمة، كما انه لا يبدو ان فرنسا مستعدة حاليا للدخول في مناورة معقدة والعمل لجلب وحدات عسكرية من خارج افريقيا.
ثالثا: وقد يكون هو المعطى الاكثر تاثيرا في تكوين المشهد المرتقب في النيجر، وهو اهمية حماية وتامين مصالح القوى الغربية، في هذا البلد الغني بثرواته الاستراتيجية وخاصة في اليورانيوم.
وحيث انطلاقا من خوف الغرب من ان تدخل دول الساحل الغربي الافريقي في حرب واسعة، سوف تكون حتما مدمرة بمستوى مرتفع، وسوف تقضي على امكانية هؤلاء اصحاب المصالح (ولو مؤقتا) بالاستفادة من ثروات النيجر الاستراتيجية.
وانطلاقا من خوفهم ايضا (الدول الغربية) من خسارة موقعهم ونفوذهم في تلك المنطقة، بسبب تنامي نفوذ كل من روسيا والصين، واللتين تملكان كل مقومات الدعم الناجح للدول الافريقية التي تعتبر نفسها مُستَغلّة من قبل الغرب.
اصبح مع كل ذلك، من المستبعد ان تسهل الدول الغربية وفي طليعتها فرنسا أي عمل عسكري غير مضمون النتائج، حيث من الارجح ان الغرب سوف يعطي كل الفرص لايجاد تسوية سياسية، تحفظ له مصالحه، ولو بالحد الادنى، وتبعد، وعلى الاقل في المدى المنظور، فرصة الصين وروسيا لتوسيع نفوذهما على حساب النفوذ الغربي التاريخي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024