نصر من الله

آراء وتحليلات

هل تصمد مصر أمام خطة ترامب لتهجير الغزاويين؟
15/02/2025

هل تصمد مصر أمام خطة ترامب لتهجير الغزاويين؟

بعد اللقاء العلني غير الدبلوماسي والفج بين الرئيس الأمريكي ترامب وملك الأردن وما تسببت مجرياته والتصريحات الفجة للرئيس ترامب به من حرَج كبير للملك عبد الله الذي حول الكرة بكاملها إلى الملعب المصري، تتوجه الأنظار للموقف المصري ولاجتماع الأنظمة العربية لمعرفة كيفية التعاطي مع هذا السلوك الأمريكي غير المسبوق من التعاطي العلني بهذه الصورة المهينة، بعد عقود من الحرص على تنفيذ الإملاءات بشكل يحفظ ماء وجه الأنظمة.

وواقع الحال يؤكد، أن هناك إصرارًا أمريكيًا على الخطة، وأنها تتجاوز كثيراً مسألة التهجير، وتتجاوز شخص الرئيس الأمريكي، لتبلغ حد الارتباط المباشر بإستراتيجية أمريكية كبرى تتعلق بالغاز والممر الاقتصادي الهندي وأبعاد "جيوستراتيجية" كبرى، كما يؤكد الواقع أن هناك أزمة حقيقية بين كل من النظامين المصري والأردني والولايات المتحدة، وهذه الأزمة تتمثل في أن المطلوب منهما يتجاوز سقف الدبلوماسية من حيث الشكل، بسبب الغطرسة والفوقية اللتين يتعامل بهما الرئيس الأمريكي، ويتجاوز سقف الأمن القومي من حيث المضمون، باعتبار أن المطلوب يتجاوز سقف التبعية والتفريط ويدخل في نطاق الخيانة التاريخية لو تم الانصياع لهذا الطرح القائم على تصفية القضية والتطهير العرقي، كما يتجاوز أمن مصر القومي عسكرياً واقتصادياً بتحويلها لدولة هامشية لا مستقبل لها في الشرق الأوسط الجديد المزعوم.

وبعد تهديدات ترامب وتخلي أميركا عن دور الوساطة الظاهرية والدخول كطرف مفاوض ومهدد للمقاومة، وبعد تماسك المقاومة وما يبدو من حرص صهيوني وأمريكي على إتمام الاتفاق وانتزاع الأسرى باعتبار الاتفاق هو الطريق الوحيد لتحريرهم، يتأكد أن خطة ترامب تهدف بالمقام الأول إلى الضغط السياسي وليس العسكري، وأنها قائمة على إجبار الأنظمة وليس تركيع المقاومة بعد خمسة عشر شهرًا من تجربة التركيع العسكري الفاشلة، وهو ما يجعل التركيز على تخويف الأنظمة وتركيعها هو الأولوية الأمريكية والصهيونية، وهو أيضاً ما يجعل من موقف الانظمة موقفاً حرجاً وخاصة الموقف المصري.

وهنا ينبغي التوقف أمام هذه المحطة التاريخية الفاصلة برصد حقيقة وخلفيات الطرح الأمريكي وحقيقة الموقف المصري من منظور الأمن القومي، ومدى إمكانية الصمود مع تعقيدات وضمانات التضامن العربي الرسمي في هذه المبارزة الإستراتيجية الكبرى وذلك كما يلي:

أولاً: حقيقة وخلفيات الطرح الأمريكي:

لا شك أن الطرح الأمريكي ليس وليد اللحظة وليس اكتشافًا مفاجئًا بأن غزة تم تدميرها وليس خطة شخصية لإدارة ترامب، حيث قامت أميركا بتمويل ودعم التدمير الممنهج لغزة عبر إمداد الكيان بالقنابل الثقيلة ووفرت الغطاء لحرب الإبادة ونسف المربعات السكنية، في الإدارة السابقة للرئيس بايدن، كما أن ملامح الخطة تشي بأنها على علاقة وطيدة بمشروع الممر الأمريكي البديل لمشروع الحزام والطريق الصيني، خاصة وأن الممر يمر بشمال غزة التي تكثفت الهجمات فيها وشهدت تطبيقًا لخطة الجنرالات.

ولم يكن مصادفاً أن يختار ترامب ستيفن ويتكوف، مبعوثاً له للشرق الأوسط، وهو مستثمر عقاري وأحد كبار المتبرعين لحملته، وهو من كبار المنحازين للصهاينة، وهو من ذهب لتفقد غزة ليخبر ترامب بتفاصيل الدمار على الطبيعة كمنطلق لطرحه!

وللخطة الأمريكية أبعاد "جيوستراتيجية" كبرى مما يشي بجديتها وبأنها ليست مناورة للابتزاز والضغط السياسي، ففي 10 ايلول/سبتمبر 2023، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي دعمهما تطوير ممر جديد للسفن وسكك الحديد يربط الهند بالشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط لتسهيل نقل البضائع الهندية لدول أوروبا، والممر الاقتصادي جزء رئيسي من اكتماله هو المرور في شمال غزة، فيما يعد ميناء حيفا مركز الانطلاق، وهذا يفسر أسباب محاولات "إٍسرائيل "خلال عدوانها على غزة تنفيذ ما أسمته "خطة الجنرالات".

كما أن الاستيلاء على غزة على صلة وطيدة بقناة "بن غوريون"، وهي القناة التي يصعب
 تنفيذها لتكلفتها العالية بسبب طولها الزائد إذا لم تخترق غزة، وبالتالي فإن السيطرة على غزة هي السبيل الأمثل لشقها وتنفيذها، وهي مشروع يربط إيلات الواقعة على البحر الأحمر بغزة على البحر المتوسط.

ومشروع الممر الاقتصادي تحدث عنه نتنياهو في أثناء حديثه عن "الشرق الأوسط الجديد"، إذ قال في رسالة عبر الفيديو، إن الممر الجديد “سيؤتي ثماره لرؤية طويلة الأمد، ستغير وجه الشرق الأوسط و"إسرائيل"، وإن "إسرائيل" ستكون تقاطعًا مركزيًا فى هذا الممر الاقتصادي، وستفتح سككنا الحديد وموانئنا بوابة جديدة من الهند عبر الشرق الأوسط إلى أوروبا والعودة.

ثانيًا: حقيقة الموقف المصري من منظور الأمن القومي:

لا شك أن الرفض المصري للتهجير هو رفض صادق ليس من منظور الأمن القومي المصري فقط، بل من منظور أمن النظام نفسه، وهناك محددات متعددة للأمن القومي المصري يأتي على رأسها الأمن عسكرياً واقتصادياً.

وعلى المستوى العسكري، فإن التهديد على الاتجاه الإستراتيجي الشرقي والشمالي مهدد بهذه الخطة لأن إمكانية الغزو واختراق السيادة برياً وبحريًا متوفر بلحاظ أي اشتباكات أو توتر حدودي حرصت مصر على تجنبه منذ توقيع معاهدة ما يسمى بـ"السلام"، وخطة التهجير أو الوطن البديل تجعل هناك متغيرات إستراتيجية على غرار المخيمات الفلسطينية في لبنان وما تحمله من نذر صدام داخلية وخارجية، كما أن حضور الكيان أو حضور أميركا بقواعدهما العسكرية بشكل مباشر على الحدود هو تهديد إستراتيجي غير مسبوق، ويشكل نقطة مفصلية في الأمن القومي.

وعلى المستوى الاقتصادي فإن مصر رفضت ترسيم الحدود مع فلسطين المحتلة، باعتبار أن الحدود والإحداثيات التي قدمتها السلطة الفلسطينية خطأ، وتنتقص من حقوق مصر، كما لم تقُم مصر بترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل" حتى لا تبتلع الحق الفلسطيني، وهنا يصبح ملف السيطرة الصهيونية والأميركية على غزة في غاية الخطورة، حيث ستصبح حدود المياه الإقليمية قضية عصية على التفاهم وليست قضية عربية خاضعة للتفاهم، وهو ما سيمكن "إسرائيل" من ابتلاع الحقوق الاقتصادية المصرية.

ويعتبر حقل "غزة مارين" المطمع الرئيسي، وهو من أقدم الحقول المكتشفة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. ويحتوي على قيمة تقديرية 1.5 ترليون قدم مكعب من الغاز. ولطالما عرقلت "إسرائيل" أي استثمار في حقل "غزة مارين" بدءًا من اكتشافه من قبل "بريتيش بتروليوم".

وقد عُقدت عدة اجتماعات برعاية أمريكية بين السلطة الفلسطينية والجانب "الإسرائيلي" ومصر، في شرم الشيخ ومدينة العقبة الأردنية، ونتج عنها اتفاق، يقضي بأن تقوم شركات مصرية بالتعاون مع صندوق السيادة الفلسطيني بالاستثمار لإنتاج الغاز في هذا الحقل. كان من المفترض أن يبدأ الحفر في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، على أن يبدأ إنتاج الغاز في ظرف عام، وهو ما تم عرقلته بسبب النوايا المبيتة.

أي أن مصر ستخسر استثماراتها، كما ستفقد مركزها اللوجستي وتصبح دولة هامشية وتفقد ميزة قناة السويس إذا ما شق الكيان "قناة بن غوريون"، وهي خسائر تتعلق بالأمن القومي بشكل مباشر وخطير، حيث تجمع الدراسات على أن مصر تُعَد أكبر الخاسرين من الممر الاقتصادي الجديد، فحركة النقل في قناة السويس ستتأثر سلباً، وإلى جانب حركة البضائع التي ستغيّر اتجاهها، فهناك تغيير في خط سير كابلات الإنترنت التي تعبر من القناة وتستفيد مصر من مرورها، ومن خطوط الكهرباء وأنابيب الطاقة.

ثالثاً: مدى إمكانية الصمود مع تعقيدات وضمانات التضامن العربي:

لا شك أن مصر في أزمة تاريخية حقيقية وتهديد غير مسبوق منذ عقود، حيث تتعرض للتهديد على الاتجاهات الإستراتيجية الأربعة، شرقاً وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ولكن التهديد العاجل يأتي من الشرق والشمال بسبب الخطة الأمريكية وتداخلاتها العسكرية والاقتصادية والأمنية.

وأوراق الضغط المصرية تبدو في حالة من الهشاشة بسبب الأزمة الاقتصادية، حيث يعاني الاقتصاد المصري من ثلاث مشاكل رئيسية هي التضخم والمديونية المرتفعة ونقص العملة الصعبة، والتي وصلت جميعها لأرقام قياسية، فضلاً عن ارتهان مصر للاستدانة ولصندوق النقد، وهي أوراق ضغط أمريكية سواء بسبب الهيمنة الأمريكية على المؤسسات الدولية، أو الهيمنة على دول الخليج الدائنة والقادرة على إسناد الاقتصاد المصري، وكل ذلك بسبب تخلي مصر عن الاقتصاد المقاوم منذ "كامب ديفيد".

وربما التلويح بقطع المعونة الأمريكية لمصر ليس هو العامل الرئيسي الذي تخشاه مصر، رغم أنها تمثل 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما، إلا أن المبلغ  لا يتجاوز 2% من إجمالي الدخل القومي المصري، وهو مرتبط باتفاقية تعزيز الأهداف الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وقد استفادت من خلالها واشنطن الكثير، مثل السماح لطائراتها العسكرية بالتحليق في الأجواء العسكرية المصرية، ومنحها تصريحات على وجه السرعة لمئات البوارج الحربية الأمريكية لعبور قناة السويس، إضافة إلى التزام مصر بشراء المعدات العسكرية من الولايات المتحدة.

وربما للأردن تعاون عسكري معلن أكثر وثاقة مع الولايات المتحدة، حيث توفد أميركا مئات من المدربين الأميركيين لإجراء مناورات عسكرية مكثفة، ولها أكثر من 2800 عسكري في الأردن، وتتمركز القوات الأميركية في "قاعدة موفق السلطي الجوية"، ويوجد بعضها في موقع عسكري صغير يُدعى "قاعدة البرج 22"، وقواعد أخرى لا تصرح أميركا بها، إضافة إلى تقديم الأردن تسهيلات عسكرية للقوات الأميركية في ميناء العقبة.

بينما في مصر لا يوجد للجيش الأميركي قاعدة عسكرية قتالية، ولكن هناك نحو 600 عسكري ضمن القوة الدولية المتعددة الجنسيات، الموجودة في مصر منذ عام 1981، كما تقدم مصر تسهيلات للقوات البحرية الأميركية في الموانئ المصرية، وتسهيلات للقوات الجوية الأميركية في قاعدة غرب القاهرة الجوية، ناهيك عن بعض القواعد التي يشاع وجودها بشكل سري غير مؤكد وتنفي مصر دوماً وجودها، ولكن بافتراض وجودها فهي لاتشكل أهمية بقدر القواعد الأخرى المنتشرة بالمنطقة.

ولكن الورقة الكبرى التي تشكل ضغطاً على مصر هي ورقة الشرعية الدولية المرتبطة بأميركا والعقوبات التي لا يتحملها الاقتصاد المصري وأيضًا التورط في صراع عسكري لا يستطيع الاقتصاد المصري بمفرده تحمل كلفته، وهو ما يجعل المواجهة مربوطة بالتضامن العربي وخاصة مع دول الخليج بثقلها الاقتصادي.

والسؤال هنا هل ستصمد مصر أمام هذا التهديد الإستراتيجي التاريخي، وهل ستقف الأنظمة الرسمية معها في الشوط إلى نهايته أم ستخضع للإغراءات المتمثلة في دورها في الشرق الأوسط الجديد والمزايا الاقتصادية في مشروعات الممر الاقتصادي، أم ستنحني أمام التهديدات الأمريكية بنزع يد الحماية عن عروشها واحتمال الاستهداف العسكري وقد رهنت أراضيها للقواعد الأمريكية؟

لا شك أن للبعد العسكري والصمود الشعبي سواء من المقاومة على الأرض أو في مصر والشعوب العربية الدور الأكبر والكلمة الوازنة، فيما الأنظمة لم تتخذ على ما يبدو قرار التصعيد، وتحاول السير في ركب السياسة وتقديم البدائل خشية من المواجهة حتى الآن، ولكن السؤال المطروح الآن: هل سيجدي هذا نفعاً مع أميركا التي خلعت قناعها وأشهرت سيفها؟.
 

غزةدونالد ترامب

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة