خاص العهد
الخضار والفواكه.. مجوهراتٌ أم غذاء؟
يوسف جابر
الاقتصاد اللبناني في حالة غيبوبة، و"أعضاؤه" الحيوية من قطاعاتٍ اقتصادية على مشارف أن تُسلَّم للموت الرحيم. ما هي إلّا مسألة وقتٍ حتّى يُقرع جرس رفع الدعم عن شتَّى القطاعات، وحينها سيواجه المواطن اللبناني أرقامًا صادمةً في فرق الأسعار.
وقبل الوصول الى هذا السيناريو الكارثي، القطاع الزراعي في الأصل يعاني جراء ارتفاع سعر صرف الدولار. تكاليف كثيرة تترتّب على المزارع منذ بدء عملية الانتاج حتى نهايتها بيد المستهلك. هذا القطاع واجه ويواجه المشاكل، فمشاهد تلف المزارعين لمحاصيلهم المتكررة سنويًا تكاد لا تُفارق المواطنين، لا تصريف ربّما، غلاء ممكن، لكن النتيجة واحدة: أزمة تهدّد استمرارية القطاع.
غلاء الخضار والفاكهة مرتبط بالدولار والعرض والطلب
بهذا الخصوص، يشرح علي فاضل، تاجر في سوق الحسبة في بيروت - المدينة الرياضية، لموقع "العهد الإخباري" سبب الارتفاع الكبير في أسعار الخضار والفواكه في الآونة الأخيرة، فيقول: "هذا القطاع محروم .. فلا دعم للبذور والشتول والأسمدة، ولا جرأة للمزارع البسيط أن يدفع على "الدنم" لزرعه، كما أن تعويض تكاليف محاصيله قد لا يكون مضمونًا، وبسبب عدم دعم المزارع تراجع هذا القطاع من 30 إلى 60%، والانتاج المحلي يغطي فقط 40% من حاجة السوق اللبنانية".
ويؤكد فاضل لـ"العهد" أن هذا القطاع يخضع لقانون العرض والطلب، ويتابع "كان يصلنا سابقًا 10 آلاف صندوق واليوم يصلنا فقط 1000، العرض انخفض مقارنة مع حجم التصدير لدى المزارع عبر التجار المصدرين وليس تجار الجملة"، ويلفت الى "أننا نصدر اليوم 70% بينما كنا سابقًا نصدر 40% من حجم الانتاج، وذلك لأن ربح المزارع في التصدير مع أزمة الدولار يفوق ربح تصريف إنتاجه في الأسواق المحلية، ويُردف "عندما كان طن البطاطا بـ 120 دولار لجأ البعض لوضعه في البرادات، وعندما زاد الطلب في الخارج بات يساوي الطن 200$ وحينها ذهبوا للتصدير.. المشكلة تكمن بعدم قدرة الانتاج على تلبية حاجة الأسواق، ولا إمكانية للاستيراد بسبب أزمة الدولار، فمن أين سيأخذ المستهلك احتياجاته؟".
فاضل يُشير الى أنَّ المنتوجات اللبنانية هي الأرخص عالميًا مع وضع الدولار الراهن في البلد"، ويضيف "الأزمة الراهنة ألغت إمكانية أن ينافسك أحدٌ على صعيد المنطقة أو أن يدخل الأسواق اللبنانية.. أنا كتاجر 2 حتى 5% من بضاعتي مستوردة وتقتصر على المنتوجات المفقودة، لأن المستورد لا يستطيع المنافسة اليوم.. طن الليمون صار في لبنان بـ 300 دولار بينما في البلدان المجاورة لا يقل عن 400 دولار، وكانت تدخل البندورة السورية بين الشرعي والتهريب مع البضاعة الأردنية لتُنزل كيلو البندورة للـ 1000 ل.ل نسبةً لزيادة العرض، اليوم لا يستطيعون كون طن البندورة لدينا يصل لـ 300 دولار كحد أقصى بينما عالميًا من الـ 500 إلى 600 دولار".
وحول تداعيات الأزمة، يوضح فاضل لـ"العهد" أن القفص البلاستيكي كان يكلِّف 1000 ل.ل واليوم صارت تكلفته 4000 و5000 ل.ل، مشيرًا الى أن هذه التكلفة سيدفعها المستهلك، فالمزارع سيضعها على القيمة الإجمالية وإلا سيتكبدها من جيبه، فما كلفته اليوم 2000 ل.ل لن يستطيع بيعها بـ 2000 ل.ل وإلا سيضطر للإغلاق، وهنا يُشدّد على أن على الدولة دعم المزارع بالبذور والشتول والأسمدة.
حسبة صيدا
المزاعون يلجؤون للتصدير هربًا من الخسائر المحلية
ما أدلى به فاضل يكاد يتطابق مع كلام تاجر في حسبة صيدا تحدّث أيضًا لـ"العهد". التاجر يلفت إلى أنَّ المستهلك ليس المتضرر الوحيد من غلاء الأسعار، فهذا يطال بائعي العربات، موضحًا أن هؤلاء أغلقوا سوق الحسبة في صيدا، وذلك بسبب عدم وجود بضاعة بأسعارٍ تناسبهم ما جعلهم يحتجون للمطالبة بلقمة عيشهم.
ويُضيف: "المزارع لا يُلام في اعتنام الفرصة للتصدير للخارج والحصول على ربحٍ أعلى من السوق المحلية خاصة أن البلاستيك والشتول والمبيدات وغيرها كلها بالدولار.. كما أن عددًا من المزارعين سيتجنّبون الزرع في الشتاء المقبل بسبب عدم وجود إمكانية لحفظ محصولهم في خيمٍ بلاستيكية والتي تُحتسب على الدولار أيضًا".
ويذكر لـ"العهد" أنَّ صغار المزارعين الذين كانوا يستفيدون من القروض الميسرة لإقامة مشروع زراعي وبعد بيع المحاصيل يسدون للبنك، سيضطرون لإيقاف الانتاج بسبب غياب التسهيلات والقروض والبنوك، مشيرًا الى أنَّ القطاع الزراعي أُهمل بعد تحويل الاقتصاد إلى ريعي بدل أن يكون منتجًا، وعلى الرغم من ذلك حافظ على كونه من أول القطاعات في البلد".
وبرأي التاجر، على الدولة تثبيت سعر صرف الدولار على سعر المنصة أو 4000 ل.ل لتنظيم العلاقة بين المزارعين والتجار.
هل يكون الحلّ بـ"الدولار الزراعي"؟
إزاء كلّ ما تقدّم، يقترح رئيس نقابة مزارعي البيوت البلاستيكية في لبنان حسين درويش أن يكون الحلّ من خلال "الدولار الزراعي" (على غرار الدولار الطالبي ربّما) لتكون التكاليف التي يتكبدها المزارع في عملية الانتاج بالدولار محدَّدة السعر حسب كل سلعة، ولنستطيع بالتالي تخفيض جدول الأسعار في البيع، بشكلٍ لا يمكن للمزارعين تخطيه".
ويضيف في حديث لـ"العهد": "طن الكيماوي مثلا يصل سعره لـ 1900 دولار، فكيف سنبيع للمزارع كيلو البندورة بـ 1000 ل.ل؟".
ويؤكَّد أن المستفيدين من القطاع هم ثلث الشعب اللبناني، وأنَّ هذا القطاع من أهم أعمدة الاقتصاد اللبناني، مشيرًا الى أنَّ التكاليف الباهظة لبعض الأمور خفّضت الانتاج، كالخيم البلاستيكية (بطول 41.5 مترًا وعرض 8 أمتار) تكلفنا 2500$ للخيمة الواحدة".
درويش يدعو للتعاون بين التجار والوزارة وكلّ الجهات الزراعية خاصة أن البضائع المستوردة لا تستطيع أن تعرف كيف تُروى، بينما هنا نقوم بجولات على المزارعين ونراقب طريقة الريّ وفي حال وجدنا 1% تلوثا في المياه نُلزمه بالتلف وإلّا سيتعرض للملاحقة القانونية، وهذه نقاط أساسية لدعم الإنتاج المحلي والالتفاف حوله".
أصحاب المحال: "ما خصّنا"
في المقابل، وفي جولة على عدد من محال الخضار والفاكهة في الضاحية الجنوبية لبيروت، يرفض أصحابها تحميلهم مسؤولية غلاء البضائع كونهم يتسلمون من تجار الجملة، مؤكدين أنَّه كلّما ارتفعت الأسعار قلَّ ربحهم ما يعني أنهم يندرجون ضمن لائحة المتضررين من هذه الضائقة، فيما توقّفت وزارة الزراعة عن وضع أسعار المنتجات الزراعية في أسواق الجملة منذ 20 أيار/مايو الماضي.
وخلال الجولة، قارن موقع "العهد الإخباري" الأسعار الحالية مع الأسعار منذ شهرٍ تقريبًا بالليرة اللبنانية، لتظهر النتائج كما في الجدول المُرفق: