خاص العهد
الدبلوماسية الأميركية تتحرّك.. ولبنان: لسنا حراس حدود
حسن شريم
كلّما بدأت "إسرائيل" تلفظ أنفاسها عسكريًا وتشعر بالقلق والخوف، كلّما تحرّكت الدبلوماسية الأميركية باتجاه لبنان. عودة قليلة الى الذاكرة في حرب تموز 2006 تُبيّن كيف تحوّلت العاصمة بيروت الى محطة لوزيرة الخارجية الأميركية في حينها كوندوليزا رايس. الأخيرة أتت آنذاك في زيارة مفاجئة للبحث في السبل التي تُنقذ ربيبة بلادها بعدما مُنيت بأقسى الهزائم. مشهد المعركة اليوم عند الحدود الشمالية وإن اختلف عن معركة 2006 في الكثير من الظروف، إلا أنه لا يمكن مقاربته بمعزل عن تلك العقلية الأميركية الساعية لمؤازرة كيان العدو ومدّه بشتّى وسائل الدعم المعنوي واللوجستي. وفي هذا الإطار، كانت زيارة الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين الى لبنان، تلك الزيارة التي تأتي تتمّة للرسائل الغربية التي وصلت لحزب الله والتي تُطالب بعدم انخراطه في المعركة تحت مسمى "إبقاء الجبهة الجنوبية في لبنان هادئة".
بزي: أميركا تستنفر مجموعة من مسؤوليها الكبار على مسرح المنطقة
المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي يتحدّث لـ"العهد" عن خلفيات وتداعيات زيارة هوكشتاين الى لبنان، فيقول: "بالمبدأ أنا لا أؤيد من يقول بأنّ هناك مهمة سرّية استثنائية خارج وقع ما يُسرّب عن لقاءات هوكشتاين. برأيي وحسب المعلومات المتوفرة لدي أنّ أميركا تستنفر مجموعة من مسؤوليها الكبار على مسرح المنطقة دبلوماسيًا بموازاة الضوء الأخضر المعطى لـ"إسرائيل" بالاستمرار بارتكاب مجازرها، وهذا الاستنفار تجسّد بزيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة الأسبوع الماضي، ووجود مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف منذ حوالى الأربعة أيام في المنطقة، وتجسّد أيضًا بزيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وليام بيرنز، للقاء قادة ومسؤولين استخباراتيين عرب، و"إسرائيليين"، والذي أتت زيارته عقب زيارة بلينكن، ومؤخرًا زيارة هوكشتاين ليست ضمن مسؤوليته عن ملف الطاقة في البيت الأبيض، إنما كونه مقربًا من الرئيس الأميركي جو بايدن، ويُكلّف طِوال الفترة الماضية بملفات سياسية من خارج مهامه الرسمية، وأحد أهم تلك الملفات في هذه الفترة ملف الجبهة الشمالية لدى الكيان الغاصب لفلسطين المحتلة، والتهابها نتيجة الضربات التي تسدّدها المقاومة الإسلامية في لبنان، وهو الأمر الذي جعلها محط اهتمام وأولوية لدى أميركا لما لها من انعكاسات على أداء جيش العدو في حربه على غزة".
ويتابع بزي: "رغم لقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع بلينكن في عمان الأسبوع الماضي، إلا أنّ حركة مسؤولي الإدارة على مستوى البيت الأبيض أو (سي آي إيه) أو مجلس "الأمن القومي" والتي تعتبر في منحى معيّن حركة تكاملية لكن بنفس الوقت يعلم الجميع أنّ هناك أكثر من وجهة نظر داخل الإدارة حول مسار الحرب العسكرية على غزة وتداعياتها"، لهذا، وبحسب بزي، فإنّ السبب الرئيسي وراء زيارة هوكشتاين إلى لبنان وبالأخص لقاءاته رئيس مجلس النواب نبيه بري، وميقاتي، واللواء عباس إبراهيم، هي لتهدئة الأوضاع في الجنوب.
رسالة هوكشتاين
ومن الواضح، برأي بزي، أنّ الرسالة التي أتى بها هوكشتاين لا سيما لقاءه الأقطاب الثلاثة (بري، ميقاتي، وإبراهيم)، لها علاقة مباشرة بـ:
أولًا: وقف المسار التصعيدي الحالي على الجبهة الجنوبية مع كيان العدو.
ثانيًا: عودة قواعد الاشتباك إلى ما قبل 8 تشرين الأول/أكتوبر.
ثالثًا: العودة للالتزام بقواعد القرار 1701.
ويضيف بزي، فضلًا عن ذلك فقد طرح هوكشتاين جدّيًا فكرة وقف إطلاق النار، كما طرح المخاطر التي تترتب عن الخروج على قواعد الاشتباك المحددة لا سيما الصواريخ التي أصابت كريات شمونة ودخول بعض الفصائل الفلسطينية المقاومة على خط وجبهة الجنوب، إضافة إلى اعتباره أنّ تلك الأمور إذا أحدثت إصابات مباشرة قد تتدحرج الأوضاع لما هو أخطر وأبعد.
ويبيّن بزّي أنّ المعنيين أجابوا على رسائل هوكشتاين بشكل مباشر وقالوا: "إنّ الطرف الآخر هو الذي يمارس الاعتداء بشكل استباقي لا سيما ما حصل مع شهداء مجزرة "غدماتا" على طريق عيثرون - عيناثا، والتي ارتقى فيها ثلاث فتيات مع جدّتهن، وقبلها استهداف سيارة إسعاف أيضًا أسفر عن إصابة الطاقم الطبي.
والجواب الأهم الذي تلقاه هوكشتاين بحسب بزي أنّ أي وقف لإطلاق النار على الجبهة الجنوبية للبنان مع كيان العدو أو أي تصعيد هو مرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، وما دون ذلك لا نتيحة منه.
مخاوف أميركية
لا مجال للشك في الخوف الذي يشعر به الأميركي تجاه مستقبل كيان العدو الغاصب والمساعي التي يمارسها منبعها القلق على مصالح ومستقبل هذا الكيان ولعل الخشية الأكبر هي الخطر الذي تمثله الجبهة الجنوبية المفتوحة في لبنان على كيان العدو وأمنه وجيشه ومستوطنيه ومستقبله، خاصة أنّ هذه الجبهة تستهلك ثلث العديد من "الجيش الصهيوني" أي نحو ثلاث فرق، التي اضطرت للتواجد نتيجة شعورها بالخطر، يقول بزي، وقد فنّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله وحدّد بالتفصيل جزئيات القوات البرية والبحرية والجوية التي وضهعا العدو بمقابل الجبهة اللبنانية. لهذا تسعى أميركا لطمأنة العدو سياسيًا لكي يتمكن من نقل تلك القوات من جبهته الشمالية إلى جنوب فلسطين وغزة للمشاركة في الحرب ودعم باقي الفرق المتواجدة هناك. وبالتالي ما قيل لهوكشتاين أيضًا "أننا لسنا حراس حدود للعدو وهو المعتدي والقاتل للأبرياء والمدنيين العزل والأطفال والكرة اليوم بملعبه".
الأسطول الحربي في المتوسط
يعتبر بزي مشهد الأساطيل البحرية والغواصات الحربية في البحر الأبيض المتوسط جزءًا من قواعد اللعبة التاريخية والاشتباك، بحسب بزي، فعندما يكون الحراك السياسي والدبلوماسي فعالًا، يكون هناك بموازاة الحراك السياسي "عرض عضلات" عسكري وحشد القوى، خاصة في مرحلة التفاوض فيسعى كل طرف إلى إبراز أكثر قدر من الأوراق لتحسين شروط التفاوض. فهنا يوجد مساران متوازيان، المسار العسكري الميداني المترافق مع الحشود منذ بداية هذه الحرب، والمسار الدبلوماسي الذي لم يصل حتى الآن إلى أي نتيجة جدية لكن بدأنا ندخل بمراحل حساسة من التفاوض وهنا من الطبيعي أن يحشد الأميركي قواته لانتزاع تنازلات سياسية وليس لأسباب محض ميدانية.
ويقول بزي "إنّ أي نجاح للمفاوضات اليوم مرتبط بوقف المجازر في غزة ووقف فعلي لإطلاق النار، وأي طرح أميركي يخالف هذا الطرح فهذا يعني أن الجبهة اللبنانية مستمرة بأداء دورها المساند للجبهة الفلسطينية، وهي تخبئ المزيد من التطورات والمفاجآت إذا ما تطورت الجبهة في غزة وذلك بحسب ما عبّر عنه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصر الله".
وبرأي بزي نحن أمام أسبوع مفصلي خاصة أنّه يتضمن إطلالة للسيد نصر الله نهار السبت في يوم شهيد حزب الله وفيه أيضًا قمتان عربية وإسلامية في السعودية، وعليه، يفترض أن الأميركي يدرك مخاطر هذه الانعطافة فإما أن نجنح إلى الحديث الفعلي عن وقف إطلاق النار ولو لمدة ثلاثة أيام ولدواع إنسانية وهذا بدء تنازل وهزيمة، أو الذهاب إلى مآلات تصعيد أكبر قد تدخلنا في مراحل جديدة سواء على مستوى جبهة لبنان أم على مستوى جبهة محور المقاومة من اليمن إلى العراق إلى لبنان.
دوروثي شيااللواء عباس ابراهيمالحدود البرية اللبنانيةعاموس هوكشتاين