معركة أولي البأس

منوعات ومجتمع

اللهيب يلف العالم ... قصّة القباب الحرارية والأعاصير المضادة
26/07/2023

اللهيب يلف العالم ... قصّة القباب الحرارية والأعاصير المضادة

د. علي دربج ــ باحث وأستاذ جامعي.
ليس من قبيل المبالغة القول انه اينما ذهبت تردد على مسامعك عبارة واحدة مفادها "الدنيا شاعلي النار". وبالمناسبة هذه الكلمات قد تكون الاكثر تداولا هذه الأيام بمختلف اللهجات واللغات، نسبة الى حرارة الطقس الملتهبة والقياسية التي تسيطر على معظم دول العالم تقريبا.
 
بداية، غني ان التعريف ان الحرارة هي شيء تشعر به، ومن الصعب رؤيتها من خلال الصور أو مقاطع الفيديو أو التقاطها. كما انها لا تسقط الأشجار ولا تغرق الطرق والسيارات ولا تدمر المنازل. إضافة الى انه غالبًا ما تترجم صور الحرارة الشديدة زحمة على الشواطئ، أو مسحاً للجباه والوجوه بالمناديل بسبب التعرق.

ما اسباب ارتفاع درجات الحرارة التي يشهدها العالم حاليا؟
 
في الواقع وقبل الغوص في شرح الاسباب، لا بد من الاشارة لى ان الوكالة العلمية والتنظيمية الأمريكية ـ الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)،  كانت اعلنت الخميس الفائت  (20 تموز/ يوليو) أن الشهرين الماضي والحالي، كانا الأكثر سخونة على كوكب الأرض ـــ  منذ بدء تسجيل درجات الحرارة العالمية قبل 174 عامًا ــ وتحديدا شهر تموز/ يوليو الحالي الذي سجلت ايامه الفائتة وما زالت أعلى متوسط درجات حرارة عالمية على الإطلاق.

وبالعودة الى التفاصيل، علميا، تختلف أسباب الحرارة الشديدة التي تجتاح حاليا معظم أجزاء العالم، من منطقة لاخرى. فضلا عن ان هناك عدد من العوامل التي تزيد من ارتفاعها وهي تتمثل بالاتي:

اولا: ظاهرة النينيو، التي تطورت لأول مرة منذ سبع سنوات ومصدرها الأساسي منطقة المحيط الهادي، وهي تُعدّ المسؤولة جزئيًا عن إثارة الحرارة الشديدة.

ثانيا: القباب الحرارية والاعصير المضادة، مثل تلك التي تمركزت فوق قارات مثل أمريكا الشمالية وأفريقيا وآسيا (بما فيها لبنان) وأوروبا، وولدّدت بالتالي موجات حرارة حارقة.

ثالثا: ارتفاع درجات حرارة سطح البحر، والذي ادى بدوره إلى تفاقم الوضع، بسبب  تغير المناخ، مما  زاد من استمرار، وشدة الظواهر الجوية المتطرفة كموجات الحرارة، والفيضانات على نطاق واسع.
 
ما هي القباب الحرارية والأعاصير المضادة؟ وكيف تولد موجات حرارية؟

في الحقيقة، تحدث القبة الحرارية عندما تبقى منطقة الضغط المرتفع فوق منطقة معينة لأيام وأسابيع. بعدها يُحبس الهواء الدافئ، تمامًا مثل غطاء وعاء، لفترة طويلة. وكلما طالت مدة بقاء الهواء محاصرًا، كلما عملت الشمس على تسخين الهواء، مما ينتج عنه ظروف أكثر دفئًا مع مرور كل يوم. وعليه فإن قباب الحرارة، في حال بقيت لفترة طويلة، قد تسبب موجات حرارة قاتلة.

بالمقابل، فإن الإعصار المضاد، المعروف أيضًا باسم نظام الضغط العالي، هو في الأساس منطقة ذات ضغط مرتفع يتجه فيها الهواء للأسفل باتجاه سطح الأرض. ومع غرق الهواء (نزول الهواء من المناطق المرتفعة)، تنضغط جزيئاته، ما يزيد الضغط، ليجعله أكثر دفئًا. وبالتالي هذا ينتج طقسا حارا وجافا. لذا تبقى الرياح هادئة ولطيفة خلال الإعصار المضاد، ولا تكاد تكون هناك سحب لأن الهواء هنا يغرق بدلاً من أن يرتفع.

ومع ان العلماء والخبراء يعتقدون، أنه على الرغم من أن قباب الحرارة والأعاصير المضادة لا تحدث بسبب تغير المناخ ، فقد أصبحت أكثر كثافة وأطول نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العالمية.

وماذا عن ظاهرة النينيو؟

عمليا تؤدي ظروف ظاهرة النينيو إلى تفاقم الحرارة الشديدة حول العالم. وفي هذا السياق كشف تقرير صدر مؤخرا عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) ، إن النينيو في الأساس، نمط طقس يشير إلى ارتفاع غير طبيعي في درجة حرارة المياه السطحية في المحيط الهادئ الاستوائي ، ومن المعروف أنه "يزيد بشكل كبير من احتمالية تحطيم سجلات درجات الحرارة، والتسبب بمزيد من الحرارة الشديدة في اماكن كثيرة من العالم وفي المحيط نفسه".

الجدير بالذكر، انه إذا  تجاوزت الأرض حد الاحتباس الحراري البالغ 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030 ، فقد يكون هناك ضررا لا رجعة فيه للنظام البيئي والجيولوجيا، وهو سيرتد خربا ودمارا وكوارث طبيعية على الملايين ، إن لم يكن المليارات ، من البشر والكائنات الحية الأخرى ، الذين سيتأثرون عندها بشدة.
 
كيف تصبح موجات الحرّ قاتلة؟

 في الحقيقة، تكون موجات الحرارة قاتلة بشكل خاص عندما تتحد درجات الحرارة المرتفعة مع الرطوبة العالية ، والتي يشار إليها عادةً باسم "البصيلة الرطبة". لذا في مثل هذه الظروف، لا يمكن للعرق من جسم الإنسان أن يتبخر ، ويفشل بالتالي في تثبيت درجة حرارة الجسم، مما قد يتسبب بالنهاية في حدوث ضربة شمس - تحدث فقط عندما تزيد درجة حرارة الجسم عن 40 درجة مئوية – وقد تودي احيانا الى  الموت.
 
 من هي البلدان الأكثر تضررا؟

صحيح ان لبنان تأثّر وما زال بهذه الظواهر الطبيعية كـ "القباب الحرارية" و "الاعاصير المضادة وحتى "النينيو" وان بشكل أقل، غير ان الضرر الاكبر كان من نصيب الولايات المتحدة وأوروبا وكندا والخليج والصين.

ففي أمريكا الشمالية ، غطت موجة حر مطولة رقعة من الولايات المتحدة مع أجزاء مثل كاليفورنيا وفلوريدا ونيو مكسيكو وأريزونا التي سجلت مدينة فينيكس فيها،  في 18  تموز/ يوليو الجاري، 43.3 درجة مئوية أو أعلى، محطمة بذلك الرقم القياسي المسجل في عام 1974، ثم ما لبثت ان لامست في 20 تموز، 48.3 درجة مئوية.

وبالمثل، اندلعت ألسنة اللهب في كندا المجاورة، حيث التهمت النيران ما يقرب من 25 مليون فدان حتى الاسبوع الفائت.
 
اكثر من ذلك، في أوروبا ، تعرضت بلدان مثل إيطاليا واليونان لموجتين حرارتين متتاليتين في غضون أسبوعين. وبينما بلغت درجة الحرارة في جزيرة سردينيا الإيطالية 47.7 درجة مئوية في (20 تموز/ يوليو)، تخطت درجات الحرارة في اليونان، 40 درجة مئوية مما ادى الى اندلاع حرائق في غابات حول أثينا، حيث تحولت أكثر من 7400 فدان من الغابات إلى رماد.

وعلى المنوال ذاته، أثرت نوبات الجفاف على إسبانيا أيضًا حيث شهدت 45.4 درجة مئوية في مدينة فيغيريس في 18 تموز/ يوليو - كانت أعلى درجة حرارة سجلتها البلاد منذ عام 1928.

اما آسيا والصين والعراق والمملكة العربية السعودية، فلا تزال الأكثر تأثرا بظواهر الحرارة على اختلافها. الاكثر اهمية هنا، هو ما شهدته بلدة نائية في الصين، بعدما وصلت درجات حرارة فيها إلى 52 درجة مئوية في 16 تموز/ يوليو - محطمة الرقم القياسي السابق البالغ 50 درجة مئوية الذي تم تحديده في عام 2015.
 وليس بعيدا عن ذلك تم الإبلاغ عن درجات حرارة قياسية في الجزائر بشمال إفريقيا تجاوزت بحسب الخبراء 50 درجة مئوية، مما تسبب بمقتل ما لا يقل عن 34 شخصا بينهم عشرة عسكريين، بسبب حرائق الغابات العنيفة التي يشهدها شمال شرق الجزائر.

في المحصلة يعتمد البشر بشدة على ما يرونه لفهم المخاطر، وهذا يجعل الحرارة مخاطرة يصعب على الناس (المسؤولين اولا واخيرا عن هذه الكوارث المناخية )فهمها. ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، بفضل المستويات غير المسبوقة لغازات الدفيئة التي يتم إطلاقها في الغلاف الجوي الناجمة، عبث وتدمير الانسان للبيئة الطبيعية للكون، ستصبح الأحداث المناخية المتطرفة، مثل تلك التي تتكشف الآن، أكثر تواترًا. من هنا فإن ما نشهده هو من صنع أيدينا نحن البشر.

المناخالحرارةالقباب الحراريةالاعاصير المضادة

إقرأ المزيد في: منوعات ومجتمع

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة