#مجد_أيار
حوار السيد نصر الله والسؤال العقلاني
ايهاب زكي
"إنّ صور انسحابنا من لبنان بشكلٍ مهين شيء لا ينبغي الاستخفاف به" ـ غادي إيزنكوت رئيس أركان جيش العدو الأسبق.
يمتلك هذا "الإيزنكوت" من العنجهية والصلف كغيره من جنرالات العدو وقادته، فيقول على سبيل المثال وقت التحقيقات في استشهاد 64 فلسطينياً على السياج الشائك في قطاع غزة يوم مراسم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس،"عندما أنظر إلى الخلف فقد تم استخدام القوة الزائدة في عشرات آلاف الحالات"، ويضيف "يوم نقل السفارة تم قتل أشخاصٍ غير مسلحين ولكنهم مخربون بالأساس"، وفي تأكيد على صلفه أردف بسخرية عن النيابة العامة "لا أذكر أيّ مكان رفع فيه رجل قانون علماً وقال أوقفوا الهجوم فأنا لا أصادق عليه، فليس له أي صلاحيات". فحين ترى هذا الصلف كله والمتجسد في ملامح مهانة، توقن أنّ الأمر جلل، وأنّ المسألة لم تكن مجرد انسحابٍ أو مجرد خسارة معركة، فقد خسرت"إسرائيل" معارك كالكرامة وحروباً كتشرين، لكن خسارة الألفين كانت طامة كبرى بكل المقاييس، حيث إنّها شكلت القفزة العظمى نحو طريق الزوال.
في حواره مع إذاعة النور بمناسبة مرور 20 عاماً على التحرير، بدا السيد نصر الله مندهشاً بسؤاله عن توقعاته لعام 2035 بخصوص بقاء"إسرائيل"، وكان واضحاً أنّ ما يرسخ في خلد السيد موعدٌ أكثر قرباً، وهذا ما يفسر دهشته المغلفة بابتسامةٍ وإشارةٍ إلى الموعد الذي ضربه الإمام الخامنئي، بيد أنّ السيد لم يفوّت فرصة التأكيد على دهشته حين نوّه إلى أنّ الإمام الخامنئي قال لن تبقى"إسرائيل" لذلك الوقت، وأنا على يقينٍ قاطع بأنّ هذا الميعاد يرسخ أيضاً في ذهنية "الدولة العبرية"، وليس في عقل ساستها وجنرالاتها فحسب، حتى أنّهم يرون أنّ الاحتفال بالعام الثمانين للنشأة يومٌ محفوفٌ بالمكاره، وإطلالات السيد نصر الله تضغط على هذا الهاجس في عقل"دولتهم" لتجعله بحكم اليقين، خصوصاً أنّ مصداقيته لديهم في وعي "الدولة" والجمهور لم تُخدش قط. ورغم تواضع السيد حتى في مخاطبة أعدائه عن عدم الرغبة في دخول حرب، فإنّهم يدركون قطعاً أنّ حالة اللاسلم واللاحرب القائمة حالياً هي فرصة لا تتكرر، وكل لحظةٍ بقاءٍ جديدة هي كسبٌ تاريخي، حيث بإمكانهم بعد ألف سنةٍ أن يقولوا كان لنا هنا دولة عمّرت كذا سنة وكذا شهر وكذا يوم.
كنت سابقاً كتبت في هذه الزاوية الكريمة عن تجربة انهيار الاتحاد السوفييتي، وأنّها قد تكون تجربة يسعى محور المقاومة لتطبيقها على كيان العدو فيزول بلا معارك. وبما أنّ الأمر لم يعد مجرد رؤيةٍ تحليلية بعد حوار السيد نصر الله، حيث قال ما معناه "إنّ تغير الظروف الدولية وبالتالي وظيفة الكيان، قد يدفع المستوطنيين للرحيل وحدهم"، فإنّ "إسرائيل" أصبحت أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الزوال طوعاً كما تواضع السيد وخيّرهم، أو كرهاً كما لوّح لهم بالحرب الكبرى وفتح كل الجبهات. والسؤال هنا عن الوسيلة التي سيحاول العقل العبري مجابهة هذا التخيير القاطع بها، والإجابة أكثر يُسراً من تنقل السيد بين الضاحية ودمشق وطهران، حيث سيعمد العدو لاصطناع الانتصارات الجوفاء، ذات الطبيعة الاستعراضية، غارات تحت الخطوط الحمراء في سوريا، غارات قد تطال مواقع للحشد الشعبي، تقديم تقارير استخبارية مفبركة عن نشاطات لحزب الله في أوروبا كما حدث مع ألمانيا، الاستئساد على السلطة الفلسطينية منزوعة السلاح، الإشهار المتواصل والأشبه بالفضائح إعلامياً وسياسياً عن حجم التطبيع مع بعض الكيانات العربية، طبعاً ولا ننسى الأهم وهي الثرثرة النووية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأدرعي وكوهين وأشباههما.
في العام 2000 رأى السيد نصر الله "إسرائيل" أوهن من بيت العنكبوت، فكيف يصبح الوهن بعد عشرين عاماً، خصوصاً بعد أن حاول هدم نظرية الوهن عام 2006 بالوصول إلى ملعب بنت جبيل، حيث المنصة التي أطلق السيد من فوقها جملته الخالدة، ليثبت أنّه بيت من فولاذ، لكنه فشل، ليعزز بفشله النظرية فتصبح حقيقة، لذلك فمن الآن فصاعداً فقد أصبح أغبى سؤال على الإطلاق، هو هل ستزول"إسرائيل"؟، وأصبح السؤال الأقرب للواقع والعقلانية هو هل سيلتزم الفلسطينيون والعرب والمسلمون من خلفهم برجاء السيد نصر الله تركهم يغادرون إلى الطائرات والبواخر في سلام؟ أمّا التساؤلات التي باتت مشروعة من قبيل الترف التحليلي فهي من نوعية إذا كان نتن ياهو رئيس الوزراء الرقم 18، وسيكون غانتس الرقم 19 حسب الاتفاق بينهما إن تم تنفيذه للنهاية، فكم سيكون الرقم الذي سيحظى به الكيان، وهل سيتخطى الرقم 20، وإن تخطاه بمعجزةٍ فبأعدادٍ فرديةٍ أم زوجية، وأمّا الشيء الوحيد الذي قد يبدو بعيد المنال راهناً، ويتخطى مرحلة الترف فهو أن تعد أبناءك برحلةٍ إلى يافا وحيفا والقدس وربوع فلسطين إن حصّلوا علاماتٍ مدرسية جيدة خلال عامين قادمين.
إقرأ المزيد في: #مجد_أيار
27/05/2020
مجد أيار
27/05/2020
كيان الاحتلال بين البقاء والزّوال
27/05/2020