الأربعون ربيعاً
الجمعية اللبنانية للأسرى والمُحررين: صون القضية
لطيفة الحسيني
لا شيء يُضاهي الحرية. على صعيد الأوطان، لا قيمة تُساويها باستثناء بذل الدماء. معادلة حقّة في سبيل قضية شريفة: المقاومة. كي تبقى الأرض وتُحصّن، ضحّى الكثير روحًا. بعضهم ارتقى شهيدًا، والآخرون ظلّوا صامدين إمّا على درب الجهاد، وإمّا وراء قضبان الزنازين.
ثمانينيات القرن الماضي خضمّ عمليات المقاومة الاسلامية. لغة التصدّي بوجه العدو هي السائدة. ذروة الضربات القاسية لأبناء الأرض، أمّا الصهاينة فيختارون الانتقام على طريقتهم: أسْر الأبرياء والنُبلاء.
مع الوقت، ارتفعت أعداد المعتقلين في سجون الاحتلال. نسبةٌ كبيرة جُرمها الانتماء الى الخطّ المقاوم أو التعاطف معه. ولأنّ المُعاناة أخذت تشتدّ تدريجيًا، كان لا بدّ من سعيٍ جادّ حتى تُنقل المأساة للرأي العام المحلي والخارجي. تكثّفت الجهود، الى أن أصبح للأسرى اللبنانيين تجمّع يعكس قضيّتهم على الملأ.
قضية الأسرى من اللجان الى الجمعية
يستعيد الأسير المُحرر الحاج محمد ياسين مرحلة التسعينيات ليذكّر بظروف تأسيس العمل المُواكب لقضية المعتقلين لدى العدو آنذاك.
النشاط الفعلي بدأ بعد أول عملية تبادل بين حزب الله والعدو الاسرائيلي عام 1991 (أيلول). بحسب ما يروي ياسين لـ"العهد"، كانت هناك مجموعة من الشباب المُتدين من أبناء المقاومة الاسلامية استطاعت نتيجة تجربة الأسْر أن تكوّن انطباعًا مبنيًّا على طريقة التعاطي التي كانت متّبعة في تلك المرحلة مع المعتقلين لناحية إهمال قضيّتهم في وسائل الإعلام وعدم إثارتها بشكل عادل والغياب التامّ للاهتمام الرسمي من قبل الدولة.
حجم الظلم اللاحق بالأسرى دفع تلك المجموعة بعد شهريْن فقط من تاريخ صفقة التبادل الى العمل على لمّ شمل المُحرّرين من أجل الاتفاق على صيغة مُهمّتها إبراز هذا الملفّ.
في هذه المرحلة، تركّزت النشاطات على أرشفة تاريخ الأسرى في السجون وجمع التفاصيل الخاصة بأوضاعهم الصحية وأعمارهم وظروفهم، وتصحيح بياناتهم، ثمّ أُطلق تجمّع معتقلي الخيام وفلسطين المحتلة (لبنانيين) مع نهاية عام 1991.
بالموازاة، كان هناك ما يُسمّى تجمّع معتقلي أنصار ويضمّ مجموعة من أسرى حزب الله والتيارات المقاومة الأخرى اليسارية. التأسيس بدأ اذًا من الصفر، شيئًا فشيئًا أصبح العمل يتفاعل من إطلاق "رزنامة" تُبرز القضية، ثمّ تكثيف الإطلالات عبر جريدة "العهد" ومجلة "البلاد" وإذاعة "النور" وقناة "المنار"، ما حرّك موضوع الأسرى أكثر فأكثر تزامنًا مع إتمام دفعتيْ تبادل بين المقاومة والعدو.
تباعًا تدرّجت المهام. ياسين يُشير هنا الى أن الاتصالات كانت قد بدأت مع المنظمات الدولية والصليب الأحمر، ثمّ حلّت انتخابات 1992. حينها، ظهرت لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين بالسجون الاسرائيلية التي ترأسها محمد صفا الذي ربطته علاقات جيّدة مع عدد من النواب ولا سيّما أعضاء لجنة حقوق الانسان النيابية، ثمّ جرى التواصل والتنسيق مع النائب في ذلك الوقت محمد برجاوي بهدف توحيد الجهود حتى لا يبقى هناك تجمّعان للأسرى. وبالفعل، عُقدت سلسلة لقاءات كي تشمل قضية الأسرى الجميع، فوصلت الاتصالات الى الانضواء تحت اسم لجنة المتابعة، ثمّ شُكّلت هيئة إدارية فكان أمين سرّها محمد صفا، فيما انضمّ الى عضويتها الى جانب ياسين علي سرور ورياض عيسى وعلي فواز.
بدأ العمل يتوالى، وظهرت في ذلك الوقت الهيئة الوطنية للمعتقلين اللبنانيين، الى أن تمّ تأسيس الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين في 16 تشرين الأول 2002 بشكل رسمي.
تحديات العمل
صعوبات عدّة شكّلت تحديًا لتجمّع معتقلي الخيام وفلسطين المحتلة أو للجنة المتابعة وصولًا الى الجمعية. وأحيانًا تحوّلت الى عامل إعاقة حقيقية، ومنها العلاقة السلبية مع المؤسسات الدولية، ومحدوية التواصل مع منظمة العفو الدولية التي حُصرت اتصالاتها بطلب مقابلات أو لقاءات مع الأسرى للاطلاع على ما يجري داخل المعتقلات. غير أن الصعوبة الأكبر كانت على مستوى الدولة اللبنانية التي لم تعترف سريعًا بملفّ الأسرى والمعتقلين، وهذا لم يتحقّق إلّا بعد جهود من حزب الله.
وفق ياسين، لعبت اعتصامات لجنة المتابعة دورًا في نيل الحقوق، وهو ما تمّ عقب الاعتصام الذي نفّذته لنحو 22 يومًا أمام السراي الحكومي عندما كان رئيس الوزراء في ذلك الوقت رفيق الحريري، انتهى الى تثبيت مقطوعة مالية شهرية لكلّ أسير قضى 3 سنوات في الحدّ الأدنى في سجون الاحتلال بعد تنسيق مع كتلتي الوفاء للمقاومة والتنمية والتحرير ونواب آخرين (400000 ليرة شهريًا و11000 ليرة عن كلّ سنة أسر فوق 3 سنوات، حينها كانت ذات قيمة).
إنجازات لجنة المتابعة
ولأنّ قضية الأسرى كانت في مرحلتها الذهبية، يُلخصّ ياسين إنجازات لجنة المتابعة والجمعية بالآتي:
* إثارة قضية المعتقلين في سجون الاحتلال للرأي العام اللبناني والدولي
* اعتراف الحكومة اللبنانية بقضية الأسرى
* المساهمة والمشاركة في عمليات التبادل التي كانت تجري بين المقاومة والعدو ولا سيّما على صعيد المعلومات عن الأسرى في الداخل، حتى أضحت الجمعية مرجعية معلوماتية في عمليات التبادل
* إعداد لوائح بأسماء المعتقلين مع كلّ بياناتهم التفصيلية
* تحصيل مقطوعة شهرية ثابتة للأسرى المحررين على الرغم من تدني قيمتها اليوم والمطلوب تحسينها
الجمعية اليوم
بعد كلّ هذه السنوات، لا تزال الجمعية في نشاطها، على الرغم من تحرير معظم الأسرى اللبنانيين. رئيسها اليوم السيد أحمد طالب يصف مهامها بالإعلامية، ومتابعة الملفات العالقة لبعض الأسرى، وإحياء المناسبات المرتبطة بالأسرى ومعتقل الخيام، متبنيةً قضية الأسيريْن في سجون الاحتلال يحيى سكاف ومحمد فران، مع رصد ملفّ العملاء وأيّ تطوّر فيه ولا سيّما بعد قضية العميل الاسرائيلي عامر الفاخوري وإثارته في الإعلام والقضاء بموازاة ملاحقة اللقاءات التطبيعية وتسليط الضوء عليها.
كذلك تعمل الجمعية اليوم على الاضطلاع بدور دليل للسياحة الجهادية لكلّ من يقصد معتقل الخيام، أشهر مراكز التعذيب إبّان فترة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني قبل عام 2000. تُعرّف الزوّار على أقسامه وأبرز جلاديه والعملاء الذين تمركزوا فيه وتفنّنوا بقتل الأسرى والتضييق عليهم بشتّى الوسائل، حتى تبقى القضية في الأذهان ولا تُنسى مع الوقت.
الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررينالأربعون ربيعاً
إقرأ المزيد في: الأربعون ربيعاً
02/09/2022
"عهد الأربعين".. للتحميل
26/08/2022
قناة "الصراط".. قبس من نور الولاية
23/08/2022