خاص العهد
دعم الدولة ينهبه المُحتكرون والعرَّاب واحد
يوسف جابر
مرَّ على أزمة البنزين أسبوعان، لا الدولة حرَّكت ساكنًا لإنهاء معاناة اللبنانيين، ولا المصرف المركزي تبنّى إجراءات ترشيد الدعم، و الوزارات المعنية تتراشق الاتهامات وتتقاذف المسؤوليات تارةً تُحيلها إلى حاكم المصرف وتارةً أخرى إلى وزير الاقتصاد أو المال أو غيرهم. الجليُّ حتى الآن أنَّ الدولة ومؤسّساتها بأدائها خلال الأزمة تدعم المُحتكرين و"الكارتيلات" لا المستهلكين.
قبل 30 عامًا، كانت الدولة اللبنانية الجهة المعنية عن استيراد المشتقات النفطية من حاجات السوق اللبناني عبر مناقصات دورية (كل 3 أشهرٍ تقريبًا)، ومع تخلّيها عن هذا الدور مطلع الـ1990، تصدَّت شركات التوزيع وأصحاب المحطات لهذه المهمّة، فبتنا أمام "كارتيل نفط".
جهاتٌ عديدة طرحت أفكارًا تتعلق بترشيد الدعم، ومصرف لبنان لا يتجاوب، حتى أنَّه لم يحدِّد كم يحجز من الأموال من أجل دعم هذه المواد، علمًا أنَّه مضى بترشيد الدعم، عبر تقليص فتح الاعتمادات، لا بل أوقفها تمامًا الأسبوع الماضي. إلى الآن، لم تتخذ الدولة أيَّ إجراءاتٍ عمليةٍ للحل رغم المبادرات المطروحة لحلٍ جذريٍ لأزمة المحروقات، فماذا ينتظر المعنيون للتحرك؟
المهندس النفطي ربيع ياغي تحدّث لموقع "العهد الإخباري" عن عوامل هذه المعضلة، فرأى أنَّ تفاقم الأزمة الاقتصادية نتيجة السياسات الخاطئة المتبعة جعلت العملة الوطنية تتراجع بالأسواق إلى عشرة أضعاف ما كانت عليه، وبين الشركات المستوردة والمُستهلك، لم يستطع المصرف المركزي تحمُّل تكلفة تأمين الدولار على الـ 1500 ل.ل من دون المساس بالاحتياطي.
ياغي أكَّد أنَّ مصرف لبنان بعملية الدعم هذه يؤمِّن للشركات المستوردة و"المافيا البترولية" الدولار على الـ 1500 ل.ل، ما يجعل منها عملية نهبٍ منظمةٍ من قبل التجار والمحتكرين والمستوردين، مشيرًا إلى أنَّ على الوزارات المعنية من طاقة وداخلية ومصرف لبنان الحدّ من هذا النهب عبر تخفيض الاستهلاك والدعم.
وقال"إذا أردنا إنقاذ البلد علينا اتخاذ قراراتٍ حاسمة في وجه الكارتيلات الموجودة.. هؤلاء لديهم مخزونٌ استراتيجي يكفينا حتى عشرين يومًا وإذا قمنا بالترشيد فتكفي لشهر، كما أنَّ خزانات الكارتيلات في الدورة ليست فارغة وعندما تأتي البواخر فثمنها مدفوع ويترتب عليها 20 ألف دولارٍ يوميًا على التأخير تتحمله الدولة، وهذه ليست إلا عملية ابتزاز واستنزاف للدولة".
كما طرح ياغي حلولًا لمسألة الدعم، إذ أشار لـ"العهد" إلى أنَّ الغرض ليس إلغاء الدعم بل تخفيضه حتى النصف، فبدلًا من الدعم على سعر صرف 1500 ل.ل يمكن للمركزي اعتماد سعر المنصة التي أطلقها، وفي الوقت نفسه فرضُ نظام "المفرد مجوز" تبعًا لأرقام لوحات السيارات، مستغربًا كيف أنَّ بلدًا فيه أزمة بنزين وتسير مليونا سيارة في شوارعه يوميًا!
وأضاف "بدل طوابير السيارات أمام المحطات، يجب تخفيض الاستهلاك 50% والدعم 50%، كما أنَّ على الشعب أن يتحمل قليلًا فلا حاجة لوجود 3 سيارات في البيت الواحد".
ولفت ياغي إلى "أنَّنا كنا نستورد على السعر العالمي، والبيع في المحطات والموزعين والمحطات وفق التسعيرة الأسبوعية للمديرية العامة للنفط، وسعر "تنكة" البنزين الآن 11 دولارًا عالميًا، وهذا هو السعر الذي يجب اعتماده هنا".
وعدّ ياغي طرح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله فيما يخصّ جلب البنزين الإيراني اذا لم تتحرّك الدولة لوقف مشهد الذلّ وطوابير السيارات أمام محطات الوقود طريقة نافعة جدًا للدفع وأفضل من المتبعة اليوم، ولفت الى أنه في حال رفع الحصار عن إيران تصبح العملية مجديةً بشكلٍ أكبر، وإلا فالعملية لوجستية وسياسية فقط.
وفيما يخصّ الفائدة من المليون طن من النفط العراقي الخام، أشار إلى أنَّ لبنان يستهلك 4 ملايين ونصف طن سنويًا، أيَّ أنَّ الهبة العراقية تشكِّل خُمس حاجاتنا تقريبًا ما يكفينا لثلاثة أشهر.
وفي ختام حديثه لـ"العهد"، أشار ياغي إلى أنَّ لا طاقة تكريرية لدى لبنان للاستفادة من تكرير النفط الخام، وفي حال دخول الشركات الخاصة بين الدولتَيْن العراقية واللبنانية فستبدأ عملية النهب، على حدِّ تعبيره، مُردفًا أنَّه "للاستفادة المطلقة يجب على العراق إتمام معروفه وتكرير نفطه في أي مصفاة قريبة على لبنان من جنوب إيطاليا أو البحر الأسود وتسليمنا المشتققات النفطية، فلا خبرة ولا إدارة رشيدة لدينا لتولي هذا الموضوع"، بحسب كلامه.
الدولارالليرة اللبنانيةالمحروقاتالمصرف المركزي اللبنانيالاحتكار