خاص العهد
"الموازنة كما هُرّبت".. قطب مخفيّة بالجملة!
أسلوب إقرار مشروع الموازنة العامة للعام 2022 أمس في مجلس الوزراء بعد 8 جلسات ماراتونية للحكومة أقلّ ما يمكن وصفه بالـ "تهريبة" حيث لم تقرّ وفق الأصول باعتبارها لم تُعرض على التصويت في تجاوز واضح لاتفاق الطائف، ما يدلّ على أنّ هناك قطبة مخفيّة فيها، وخاصّة أنّه بات معلومًا أنّها تنص في موادها على ضرائب تطال المواطنين بشكل مباشر ومبالغ فيها ولا تنسجم مع قدرة المواطن اللبناني على السداد.
الخبراء الإقتصاديون يجمعون على أنّ الموزانة بهذا الشكل لا تراعي الطبقتين الوسطى والفقيرة، وهي لا تحمل أيّ إصلاحات فعليّة، وقد تقضي على ما تبقّى من متنفّس للمواطن اللبناني.
الخبير الاقتصادي، محمود جباعي، يشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري، إلى أنّ الموازنة شكلًا ومضمونًا لا تراعي الطبقتين الوسطى والفقيرة، وهي على حساب الفئات الكادحة والفئات الشعبية، وأنّ القوى التي فبركت هذه الموازنة كل همّها محاكاة صندوق النقد الدولي من أجل إقناعه بأنّ هذه الموازنة تحاكي مطالب الأخير كإصلاحات وغيرها.
لكن الواقع، بحسب جباعي، عكس ذلك، خاصّة إذا ما ركّزنا بموضوع الإيرادات الوهمية وكذلك النفقات التشغيلية وطريقة إقرارها.
أما ما يتعلق بالمواطن، فيُحكى أنّ الدولار الجمركي سيكون على منصّة صيرفة، لكن لم يُحدد إلى اليوم أيّ سلع معفيّة بشكلٍ حقيقي من الدولار الجمركي وأيّ سلع ستخصع له، لأنّ هذا الأمر بحاجة إلى متابعة دقيقة، والانتباه لنوعيّة وحجم نوعيّة السلع، وكذلك لا ينبغي إغفال الوكالات الحصرية والمستوردة، والتي يمكن أن تستغل الأمر في رفع أسعار كافة السلع والخدمات في البلد.
وبالتالي، المواطن سيدفع ثمن ارتفاع الأسعار جرّاء رفع الدولار الجمركي على مجموعة من السلع، وبسبب غياب الرقابة الفعليّة لمكافحة الاحتكار، وهو ما شهدناه في العامين السابقين من عدم قدرة الدولة على مكافحة الاحتكار ومجابهة المحتكرين، وهذا أمر خطير جدًا.
جباعي أضاف "كما يُحكى أنّ رسوم الهاتف والكهرباء ستكون على سعر منصّة صيرفة، ففاتورة اشتراك الانترنت والستالايت، والتي لا زال يدفعها المواطن اليوم على سعر 1500 ليرة للدولار، ستصبح على سعر منصّة صيرفة، وقد يصبح اشتراك الانترنت في المنزل مليوني ليرة شهريًا بدلًا من 150 ألف ليرة والتي كانت تساوي 100 دولار أمريكي".
أما بطاقة تشريج الهاتف لمدّة شهر، والتي سعرها اليوم حوالي 27 دولارًا، وبالليرة اللبنانية 40 ألفًا، ستصبح 500 ألف ليرة لبنانية، كذلك الأمر بالنسبة لفاتورة الهاتف الثابت، التي كان معدلها 70 أو 80 دولارًا ستصبح أكثر من مليون ليرة شهريًا.
تابع جباعي "أضف إلى ذلك اشتراك الستالايت في المنازل، الذي قد يصبح مليون ليرة لبنانية شهريًا، وهذا ما يزيد الأعباء على المواطن اللبناني، الذي لم يبقَ له متنفّسًا سوى وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت واشتراك الستالايت، فجاءت الدولة اليوم لتحرمه منها، فتصبح هذه الأمور للأغنياء فقط، كما هو الحال اليوم في اشتراك مولدات الكهرباء".
وبخصوص الكهرباء، التي لا تتوفر إلاّ نادرًا، فإن ّالدولة ستطلب من المواطن دفع رسوم اشتراك بحدود مليون ليرة، دون أن يكون هناك تيار كهربائي، وهو يدفع اليوم حوالي 30 ألف إلى 40 ألف ليرة، وهذا ما سيزيد الأعباء اليومية على المواطن.
جباعي نبّه أنّ "كلّ الرسوم ستصبح على سعر منصّة صيرفة أو أقلّ بقليل، وهذا يطال مختلف المعاملات الرسميّة التي يتابعها المواطن خاصة معاملات التسجيل في الدولة من قبيل الشقق أو معاملات كاتب العدل وجوازات السفر والأوراق الثبوتية وغيرها، وهذا ما سيرفع كلفة المعيشة في البلاد إلى أرقام خيالية، وأيضًا سيرتفع التضخّم المالي، الذي يبلغ حاليًا 300%، وقد يصل إلى نسبة 700%، وبالتالي سيصبح المواطن بحاجة إلى 25 مليون أو 30 مليون ليرة شهريًا حتى يعيش".
ويستغرب جباعي أنّ الحكومة تقوم بفرض كلّ هذه الضرائب والرسوم من دون تحسين الحد الأدنى للأجور، فالموظّف سيقبض راتبه على سعر 1500 ليرة وسيدفع مستحقاته على سعر منصّة صيرفة، وحتى المساعدة الاجتماعية لم يعد لها أيّ أهمية أو قيمة، فهي تُعطى للمواطن بقيمة 40 دولارًا شهريًا، ومقابلها سيدفع نفقات إضافية، وهذا هو الخطر الأساسي على المواطن.
من جهته، جزم الخبير المالي والاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة، في حديث لموقع "العهد" الإخباري، أنّ محتوى الموازنة لا يلبّي تطلعات الشعب اللبناني وحتى صندوق النقد الدولي، مشيرًا إلى التسريبات التي تتحدث عن عدم رضا صندوق النقد الدولي عنها.
وبخصوص الأمور التي يمكن معالجتها في بنود الموازنة، يشير عجاقة إلى أنّ النشاط الاقتصادي لدينا في حالة "موت"، والضرائب تطال النشاط الاقتصادي، ناصحًا بفرض الضرائب على الأماكن والأمور والموارد التي لا تُستخدم في النشاط الاقتصادي، متسائلًا "أين هي الأملاك البحرية والنهرية، وماذا فعلوا بالكهرباء، وأين هي الاتصالات؟، هناك عدّة مرافق ناجحة ينبغي الاستفادة منها، وإن كان هناك نيّة لجلب الأموال يوجد عدة طرق لعدم المسّ بالمواطن"، مشيرًا إلى الضريبة التصاعدية، التي تستخدمها أكبر الدول الديمقراطية في العالم.
وحول إمكانية حصول تأرجح في سعر الصرف وتأثيره على اختلال الموازنة، يشير عجاقة إلى أنّ الحكومة تأخذ ضمانة من المصرف المركزي بالمحافظة على استقرار معيّن لسعر الصرف خلال العام، والإبقاء على هامش للعجز بطريقة أن لا يتجاوز هامش خطأ.(عادة عندما يُعطى عجز في الموازنة يكون نسبة للناتج المحلي الاجمالي، وفرضًا أنّ الناتج المحلي ثابت، وهو شيء غير مضمون، حيث من المتوقع أن يتراجع هذا الناتج عمّا هو عليه حاليًا بقيمة 18 مليار دولار مع ترجيح لتراجعه، فبالتالي سيزيد العجز.. لكن مع فرضية أنّه ثابت، سيقولون أننا لا نريد أن يزيد العجز بنسبة معينة مئويًا، والضمانة تكون المصرف المركزي، وهذا غير ملحوظ في الموازنة).
لكن هذا ليس هو الحل فقط، بحسب عجاقة، الحل هو بإدخال دولارات إلى البلد، وهناك دول تمنع ذلك، وقد وصلنا إلى مرحلة بحاجة للدولار، واليوم "الباب الوحيد هو صندوق النقد الدولي، لذا فليتم الذهاب إلى هذا الصندوق لكن ينبغي التفاوض معه بشكل جيّد، كما أنّه لا يمكن أن نقبل بكل ما يريده هذا الصندوق، فمثلًا تحرير سعر الصرف بالكامل فهذا الأمر يؤذينا، لذا علينا أن نقوم بتعويم موّجه".
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى منهجيّة يجب اتباعها بخصوص خطّة التعافي، ويقول "المنهجية هي التالية، الحكومة اللبنانية ترسل إلى المجلس النيابي خطة للتعافي، ويقرّها الأخير، وبعدها تأخذها الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد ومع المقرضين، وعند الاتفاق على هذه الخطة، تعود مجددًا إلى المجلس النيابي، فإن وافق عليها تمضي الأمور، وإلاّ على الحكومة أن تجد مشروعًا آخر لتطرحه، وهذه هي الطريقة المنهجية".
وتوجّه عجاقة برسالة إلى الشعب اللبناني الذي عليه أن يعرف أنّ النواب عليهم مسؤولية كبيرة في خطة التعافي، وليس هناك من إمكانية لعمل شيء دون المرور بالمجلس النيابي، وهذا ما ينصّ عليه الدستور، بأنّ كل ما يتعلق بالتزامات ماليّة تجاه الدولة اللبنانية هناك إلزامية للمرور بمجلس النواب، لذلك على المواطن أن يتحدث مع النائب الذي صوّت له، ويبلغه أنّه اليوم جاء الوقت الذي عليه أن يدافع فيه عن مصالحه.
الموازنةالدولارالحكومة اللبنانيةصندوق النقد الدوليالفقرمحمود جباعيجاسم عجاقة